تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَمَنۡ خَافَ مِن مُّوصٖ جَنَفًا أَوۡ إِثۡمٗا فَأَصۡلَحَ بَيۡنَهُمۡ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (182)

وقوله : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا } قال ابن عباس ، وأبو العالية ، ومجاهد ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، والسدي : الجَنَف : الخطأ . وهذا يشمل أنواع الخطأ كلها ، بأن زاد وارثا بواسطة أو وسيلة ، كما إذا أوصى ببيعه الشيءَ الفُلانيّ محاباة ، أو أوصى لابن ابنته ليزيدها ، أو نحو ذلك من الوسائل ، إما مخطئًا غير عامد ، بل بطبعه وقوة شفقته من غير تبصر ، أو متعمدًا آثمًا في ذلك ، فللوصيّ - والحالة هذه - أن يصلح القضية{[3169]} ويعدلَ في الوصية على الوجه الشرعي . ويعدل عن الذي أوصى به الميت إلى ما هو أقرب الأشياء إليه وأشبه الأمور به{[3170]} جمعا بين مقصود الموصي والطريق الشرعي . وهذا الإصلاح والتوفيق ليس من التبديل في شيء . ولهذا عطف هذا – فبينه{[3171]} - على النهي لذلك ، ليعلم أنّ هذا ليس من ذلك بسبيل ، والله أعلم .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا العباس بن الوليد بن مَزيد ، قراءة ، أخبرني أبي ، عن الأوزاعي ، قال الزهري : حدثني عروة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : " يُرَدّ من صَدقة الحائف{[3172]} في حياته ما يردّ من وصية المجنف{[3173]} عند موته " {[3174]} .

وهكذا رواه أبو بكر بن مَرْدُوَيه ، من حديث العباس بن الوليد ، به .

قال ابن أبي حاتم : وقد أخطأ فيه الوليد بن مزيد . وهذا الكلام إنما هو عن عروة فقط . وقد رواه الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، فلم يجاوز به عروة .

وقال ابن مَرْدويه أيضًا : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا إبراهيم بن يوسف ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا عمر بن المغيرة ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الحيف في الوصية من الكبائر " {[3175]} .

وهذا في رفعه أيضًا نظر{[3176]} . وأحسن ما ورد في هذا الباب ما قال عبد الرزاق :

حدثنا مَعْمَر ، عن أشعثَ بن عبد الله ، عن شَهْر بن حَوْشَب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليعملُ بعمل أهل الخير سبعينَ سنة ، فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله ، فيدخل النار ، وإن الرجل ليعمل بعَمَل أهل الشرّ سبعينَ سنة ، فيعدل في وصيته ، فيختم له بخير عمله ، فيدخل الجنة " {[3177]} . قال أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا } [ البقرة : 229 ] .


[3169]:في أ: "القصة".
[3170]:في جـ: "المأمور به".
[3171]:في أ: "فنبه".
[3172]:في أ: "الخائف".
[3173]:في أ: "المخيف".
[3174]:ورواه أبو داود في المراسيل برقم (194) من طريق عباس بن الوليد بن مزيد، عن أبيه، عن الأوزاعي، به. قال العباس: حدثنا به مرة، عن عروة، ومرة عن عروة، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رواه أبو داود برقم (195) عن عروة مرسلا، وبرقم (196) عن الزهري مرسلا.
[3175]:ورواه الدارقطني في السنن (4/151) والعقيلي في الضعفاء (3/189) والبيهقي في السنن الكبرى (6/271) من طريق عمر بن المغيرة به نحوه، ورواه البيهقي في السنن الكبرى (6/271) من طريق هشيم عن داود به موقوفا، وقال: "هذا هو الصحيح موقوف، وكذلك رواه ابن عيينة وغيره عن داود موقوفا، وروى من وجه آخر مرفوعا، ورفعه ضعيف".
[3176]:في جـ: "وهذا أيضا في رفعه نظر".
[3177]:في جـ: "تقديم وتأخير في العبارتين".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَمَنۡ خَافَ مِن مُّوصٖ جَنَفًا أَوۡ إِثۡمٗا فَأَصۡلَحَ بَيۡنَهُمۡ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (182)

{ فمن خاف من موص } أي توقع وعلم ، من قولهم أخاف أن ترسل السماء . وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وأبو بكر { موص } مشددا . { جنفا } ميلا بالخطأ في الوصية . { أو إثما } تعمدا للحيف . { فأصلح بينهم } بين الموصى لهم بإجرائهم على نهج الشرع . { فلا إثم عليه } في هذا التبديل ، لأنه تبديل باطل إلى حق بخلاف الأول . { إن الله غفور رحيم } وعد للمصلح ، وذكر المغفرة لمطابقة ذكر الإثم وكون الفعل من جنس ما يؤثم .