تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡعِظَةٗ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ فَخُذۡهَا بِقُوَّةٖ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ سَأُوْرِيكُمۡ دَارَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (145)

ثم أخبر تعالى أنه كتب له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء ، قيل : كانت الألواح من جوهر ، وأن الله تعالى كتب له فيها مواعظ وأحكاما مفصلة مبينة للحلال والحرام ، وكانت هذه الألواح مشتملة على التوراة التي قال الله [ تعالى ]{[12129]} فيها : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ } [ القصص : 43 ]

وقيل : الألواح أعطيها موسى قبل التوراة ، فالله أعلم . وعلى كل تقدير كانت{[12130]} كالتعويض له عما سأل من الرؤية ومنع منه ، والله أعلم .

وقوله : { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } أي : بعزم على الطاعة { وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا } قال سفيان بن عيينة : حدثنا أبو سعد{[12131]} عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أمر موسى - عليه السلام - أن يأخذ بأشد ما أمر قومه .

وقوله : { سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ } أي : سترون{[12132]} عاقبة من خالف أمري ، وخرج عن طاعتي ، كيف يصير إلى الهلاك والدمار والتباب ؟

قال ابن جرير : وإنما قال : { سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ } كما يقول القائل لمن يخاطبه : " سأريك غدا إلام يصير إليه حال من خالف أمري " ، على وجه التهديد والوعيد لمن عصاه وخالف أمره .

ثم نقل معنى ذلك عن مجاهد ، والحسن البصري .

وقيل : معناه { سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ } أي : من أهل الشام ، وأعطيكم إياها . وقيل : منازل قوم فرعون ، والأول أولى ، والله أعلم ؛ لأن هذا كان بعد انفصال موسى وقومه عن بلاد مصر ، وهو خطاب لبني إسرائيل قبل دخولهم التيه ، والله أعلم .


[12129]:زيادة من ك، م، أ.
[12130]:في، م، ك، أ: "فكانت".
[12131]:في أ: "أبو سعيد".
[12132]:في أ: "أي: ستروا".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡعِظَةٗ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ فَخُذۡهَا بِقُوَّةٖ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ سَأُوْرِيكُمۡ دَارَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (145)

{ وكتبنا له في الألواح من كل شيء } مما يحتاجون إليه من أمر الدين . { موعظة وتفصيلا لكل شيء } بدل من الجار والمجرور ، أي وكتبنا له كل شيء من المواعظ وتفصيل الأحكام . واختلف في أن الألواح كانت عشرة أو سبعة ، وكانت من زمرد أو زبرجد ، أو ياقوت أحمر أو صخرة صماء لينها الله لموسى فقطعها بيده وسقفها بأصابعه وكان فيها التوراة أو غيرها . { فخذها } على إضمار القول عطفا على كتبنا أو بدل من قوله : { فخذ ما آتيتك } والهاء للألواح أو لكل شيء فإنه بمعنى الأشياء أو للرسالات . { بقوة } بجد وعزيمة . { وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } أي بأحسن ما فيها كالصبر والعفو بالإضافة إلى الانتصار ، والاقتصاص على طريقة الندب والحث على الأفضل كقوله تعالى . { واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } . أو بواجباتها فإن الواجب أحسن من غيره ، ويجوز أن يراد بالأحسن البالغ في الحسن مطلقا لا بالاضافة ، وهو المأمور به كقولهم الصيف أحر من الشتاء . { سأريكم دار الفاسقين } دار فرعون وقومه بمصر خاوية على عروشها ، أو منازل عاد وثمور وأضرابهم لتعتبروا فلا تفسقوا ، أو دارهم في الآخرة وهي جهنم . وقرئ سأوريكم بمعنى سأبين لكم من أوريت الزند وسأورثكم ، ويؤيده قوله : { وأورثنا القوم } .