فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡعِظَةٗ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ فَخُذۡهَا بِقُوَّةٖ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ سَأُوْرِيكُمۡ دَارَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (145)

قوله : { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح مِن كُلّ شَيْء مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شَيْء } من كل شيء : أي من كل ما يحتاج إليه بنو إسرائيل في دينهم ودنياهم . وهذه الألواح : هي التوراة . قيل : كانت من زمردة خضراء . وقيل : من ياقوتة حمراء ، وقيل : من زبرجد ، وقيل : من صخرة صماء . وقد اختلف في عدد الألواح ، وفي مقدار طولها وعرضها . والألواح : جمع لوح ، وسمي لوحاً لكونه تلوح فيه المعاني . وأسند الله سبحانه الكتابة إلى نفسه تشريفاً للمكتوب في الألواح ، وهي مكتوبة بأمره سبحانه . وقيل : هي كتابة خلقها الله في الألواح .

و{ مِن كُلّ شَيْء } في محل نصب على أنه مفعول { كَتَبْنَا } و { مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً } بدل من محل كل شيء ، أي موعظة لمن يتعظ بها من بني إسرائيل وغيرهم ، وتفصيلاً للأحكام المحتاجة إلى التفصيل { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } أي : خذ الألواح بقوّة ، أي بجدّ ونشاط . وقيل الضمير عائد إلى الرسالات ، أو إلى كل شيء ، أو إلى التوراة . قيل : وهذا الأمر على إضمار القول ، أي فقلنا له خذها . وقيل : إن { فَخُذْهَا } بدل من قوله : { فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ } { وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } أي بأحسن ما فيها بما أجره أكثر من غيره ، وهو مثل قوله تعالى : { اتبعوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ } ، وقوله : { فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } ، ومن الأحسن الصبر على الغير والعفو عنه ، والعمل بالعزيمة دون الرخصة ، وبالفريضة دون النافلة ، وفعل المأمور به ، وترك المنهيّ عنه .

قوله : { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين } قيل : هي أرض مصر التي كانت لفرعون وقومه . وقيل منازل عاد وثمود . وقيل هي جهنم . وقيل منازل الكفار من الجبابرة والعمالقة ليعتبروا بها . وقيل الدار : الهلاك . والمعنى : سأريكم هلاك الفاسقين . وقد تقدّم تحقيق معنى الفسق .

/خ147