إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡعِظَةٗ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ فَخُذۡهَا بِقُوَّةٖ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ سَأُوْرِيكُمۡ دَارَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (145)

{ وَكَتَبْنَا لَهُ في الألواح مِن كُلّ شيء } أي مما يحتاجون إليه من أمور دينِهم { مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شيء } بدلٌ من الجارّ والمجرور أي كتبنا له كلَّ شيءٍ من المواعظ وتفصيلِ الأحكام ، واختُلف في عدد الألواحِ وفي جوهرها ومقدارِها فقيل : إنها كانت عشَرةَ ألواحٍ وقيل : سبعةً وقيل : لوحين وأنها كانت من زُمُرُّذَةٍ جاء بها جبريلُ عليه السلام وقيل : من زَبَرْجَدةٍ خضراءَ أو ياقوتةٍ حمراءَ . وقيل : أمر الله تعالى موسى بقطعها من صخرة صمّاءَ ليَّنها له فقطعها بيده وشققها بأصابعه . وعن الحسن رضي الله عنه كانت من خشب نزلت من السماء فيها التوراةُ وأن طولَها كان عشَرةَ أذرُع . وقيل : أُنزلت التوراةُ وهي سبعون وِقْرَ بعيرٍ{[297]} يقرأ الجزءُ منه في سنة لم يقرأها إلا أربعةُ نفرٍ : موسى ويوشعُ وعُزيرٌ وعيسى عليهم السلام . وعن مقاتل رضي الله عنه كُتب في الألواح إني أنا الله الرحمن الرحيم لا تشرِكوا بي شيئاً ولا تقطعوا السبيلَ ولا تزْنوا ولا تعقُّوا الوالدين { فَخُذْهَا } على إضمار قولٍ معطوف على كتبنا أي فقلنا خذها { بِقُوَّةٍ } بجدَ وعزيمة وقيل : هو بدلٌ من قوله تعالى : { فَخُذْ مَا ءاتَيْتُكَ } والضميرُ للألواح أو لكل شيءٍ لأنه بمعنى الأشياء أو للرسالة أو للتوراة .

{ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } أي بأحسنِ ما فيها كالعفو والصبر لا لإضافة إلى الاقتصاص والانتصارِ على طريقة الندبِ والحثِّ على اختيار الأفضل كما في قوله تعالى : { واتبعوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم من ربّكُمْ } [ الزمر : 55 ] أو بواجباتها فإنها أحسنُ من المباح ، وقيل : المعنى يأخذوا بها ، و( أحسن ) صلةٌ . قال قُطرُب : أي بحسَنها وكلُّها حسنٌ كقوله تعالى : { وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ } [ العنكبوت :45 ] وقيل : هو أن تُحمل الكلمةُ المحتملةُ لمعنيين أو لمعان على أشبه محتمَلاتِها بالحق وأقربِها إلى الصواب { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين } تلوينٌ للخطاب وتوجيهٌ له إلى قومه عليه الصلاة والسلام بطريق الالتفاتِ حملاً لهم على الجد في الامتثال بما أُمروا به ، إما على نهج الوعيدِ والترهيب على أن المرادَ بدار الفاسقين أرضَ مصرَ وديارُ عادٍ وثمودَ وأضرابِهم فإن رؤيتها وهي خاليةٌ عن أهلها خاويةٌ على عروشها موجبةٌ للاعتبار والانزجارِ عن مثل أعمالِ أهلِها كيلا يحِلَّ بهم ما حل بأولئك وإما على نهج الوعدِ والترغيبِ على أن المرادَ بدار الفاسقين إما أرضُ مصرَ خاصةً أو مع أرض الجبابرةِ والعمالقةِ بالشام فإنها أيضاً مما أتيح لبني إسرائيلَ وكُتب لهم حسبما ينطِق به قولُه عز وجل : { العالمين يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرض المُقَدَّسَةَ التي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } [ المائدة ، الآية 21 ] ومعنى الإراءةِ الإدخالُ بطريق الإيراثِ ، ويؤيده قراءةُ مَنْ قرأ سأوُرثكم بالثاء المثلثة كما في قوله تعالى : { وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مشارق الأرض ومغاربها } [ الأعراف ، الآية 137 ] وقرىء سأُوريكم ولعله من أورَيْتُ الزندَ أي سأبيِّنُها بكم .


[297]:أي حمل بعير.