تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡعِظَةٗ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ فَخُذۡهَا بِقُوَّةٖ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ سَأُوْرِيكُمۡ دَارَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (145)

{ وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين( 145 ) }

المفردات :

وكتبنا له في الألواح : أي : وخلقنا له الكتابة فيها ؛ والألواح : الصحف التي كتبت فيها التوراة .

فخذها بقوة : أي : فتناولها وتقبلها بجد وعزيمة .

التفسير :

{ 145 – وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء . . . . }الآية .

هل المراد بالألواح هنا التوراة أو ألواح أعطيها موسى قبل التوراة ؟ قولان للعلماء :

جاء في تفسير المنار :

قال بعض المفسرين : إن الألواح كانت مشتملة على التوراة ، وقال بعضهم : بل كانت قبل التوراة ، والراجح : أنها كانت أول ما أوتيه من وحي التشريع ، فكانت أصل التوراة الإجمالي ، وكانت سائر الأحكام من العبادات والمعاملات الحربية والمدنية والعقوبات تنزل يخاطبه بها الله تعالى في أوقات الحاجة إليها28 .

والمعنى : بينا لموسى في الألواح والصحف من كل شيء يحتاج إليه ينو إسرائيل ؛ لإصلاح شئونهم في الدين والدنيا من المواعظ وتفصيل الأحكام ، وبيان الحلال والحرام والحسن والقبيح وغير ذلك من أنواع الهداية والإرشاد .

{ فخذوها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } .

أي : خذ هذه الأحكام بالعزيمة والجد ، بدون تهاون أو تفريط ، وهي دعوة إلى تقديم العزيمة على الرخصة ، وعدم محاولة التفلّت والانسلاخ من الأحكام الشاقة إلى أيسر الأحكام والتكاليف .

وليس في هذا غلو أو اعتساف ، فنحن نعلم أن دين الله يسر لا حرج فيه .

ولكن هذه العقيدة تحتاج إلى الجد والهمة والحسم والصراحة ولا ينبغي أن تؤخذ في رخاوة ولا تميع ولا ترخيص ، مع البعد أيضا عن التشدد والتعنت والتعقيد .

{ وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } .

أي : وأمر قومك بالاعتصام بهذه الموعظة ، والأحكام المفصلة في الألواح ، التي هي في منتهى الكمال والحسن ، وأن يختاروا أقربها إلى الصواب لو أن فيها حسنا وأحسن ، كالقود والعفو ، والانتصار والصبر ، والمأمور به والمباح . فأمروا بأن يأخذوا بما هو أكثر ثوابا .

{ سأوريكم دار الفاسقين } .

أي : سأرى قومك ديار الهالكين من عاد وثمود وأمثالهم ؛ ليشاهدوا ما حل بأهلها من الهلاك والدمار ؛ لأن رؤية الديار خالية من أهلها ، خاوية على عروشها ، تدعو إلى مزيد من الحذر والاعتبار .

قال ابن كثر : أي : سترون عاقبة من خالف أمري وخرج عن طاعتي كيف يصير إلى الهلاك والدمار .

وخوطب قوم موسى عليه السلام بقوله : سأريكم دون قوله – سأريهم – التفاتا إليهم بعد الغيبة ؛ ليكون ذلك أبلغ من حملهم على الطاعة والامتثال ، وتخويفهم من اتباع طريق الظالمين .

وقيل : معنى : سأوريكم دار الفاسقين . سأورثكم حكم الوثنيين في تلك الديار التي هاجرتم إليها ، بدليل قراءة : { سأورثكم دار الفاسقين } .