وقوله : { وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا } : [ يقول تعالى مخبرًا عن اعتذار بعض الكفار في عدم اتباع{[22377]} الهدى حيث قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : { إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا } ] {[22378]} أي : نخشى إن اتبعنا ما جئت به من الهدى ، وخالفنا مَنْ حولنا من أحياء العرب المشركين ، أن يقصدونا بالأذى والمحاربة ، ويتخطفونا أينما كنا ، فقال الله تعالى مجيبا لهم : { أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا } يعني : هذا الذي اعتذروا به كذب وباطل ؛ لأن الله جعلهم في بلد أمين ، وحَرَم معظم آمن منذ وُضع ، فكيف يكون هذا الحرم آمنًا في حال كفرهم وشركهم ، ولا يكون آمنًا لهم وقد أسلموا وتابعوا الحق ؟ .
وقوله : { يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } أي : من سائر الثمار مما حوله من الطائف وغيره ، وكذلك المتاجر والأمتعة { رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا } أي : من عندنا { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ } فلهذا قالوا ما قالوا .
وقد قال{[22379]} النسائي : أنبأنا الحسن بن محمد ، حدثنا الحجاج ، عن ابن جُرَيْج ، أخبرني ابن أبي مُلَيْكة قال : قال عمرو بن شعيب ، عن ابن عباس - ولم يسمعه منه - : أن الحارث بن عامر بن نوفل الذي قال : { إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا }{[22380]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالُوَاْ إِن نّتّبِعِ الْهُدَىَ مَعَكَ نُتَخَطّفْ مِنْ أَرْضِنَآ أَوَلَمْ نُمَكّن لّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىَ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَيْءٍ رّزْقاً مّن لّدُنّا وَلََكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وقالت كفار قريش : إن نتبع الحقّ الذي جئتنا به معك ، ونتبرأ من الأنداد والاَلهة ، يتخطفنا الناس من أرضنا بإجماع جميعهم على خلافنا وحربنا ، يقول الله لنبيه : فقل أوَ لَمْ نُمَكّنْ لَهُمْ حَرَما يقول : أو لم نوطىء لهم بلدا حرّمنا على الناس سفك الدماء فيه ، ومنعناهم من أن يتناولوا سكانه فيه بسوء ، وأمنا على أهله من أن يصيبهم بها غارة ، أو قتل ، أو سباء . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، أن الحارث بن نوفل ، الذي قال : إنْ نَتّبِعِ الهُدَى مَعكَ نُتَخَطّفْ مِنْ أرْضِنا وزعموا أنهم قالوا : قد علمنا أنك رسول الله ، ولكنا نخاف أن نُتَخطف من أرضنا ، أوَ لَمْ نُمَكّنْ لَهُمْ الاَية .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وَقالُوا إنْ نَتّبِعِ الهُدَى مَعَكَ نُتَخَطّفْ مِنْ أرْضِنا قال : هم أناس من قريش قالوا لمحمد : إن نتبعك يتخطفْنا الناس ، فقال الله أوْ لَمْ نُمَكّنْ لَهُمْ حَرَما آمِنا يُجْبَى إلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَيْءٍ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ويُتَخَطف الناس من حولهم : قال : كان يغير بعضهم على بعض .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله أوْلَمْ نُمَكّنْ لَهُمْ حَرَما آمنا قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله وَقالُوا إنْ نَتّبِعِ الهُدَى مَعَكَ نُتَخَطّفْ مِنْ أرْضِنا قال الله أوْ لَمْ نُمَكّنْ لَهُمْ حَرَما آمِنا يُجْبَى إلَيْهِ ثَمَرَاتُ كلّ شَيْءٍ يقول : أو لم يكونوا آمنين في حرمهم لا يغزون فيه ولا يخافون ، يجبى إليه ثمرات كلّ شيء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة أوَ لَمْ نُمَكّنْ لَهُمْ حَرَما آمِنا قال : كان أهل الحرم آمنين يذهبون حيث شاءوا ، إذا خرج أحدهم فقال : إني من أهل الحرم لم يُتَعرّض له ، وكان غيرهم من الناس إذا خرج أحدهم قُتل .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله أوَ لَمْ نُمَكّنْ لَهُمْ حَرَما آمِنا قال : آمناكم به ، قال : هي مكة ، وهم قريش .
وقوله : يُجْبَى إلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَيْءٍ يقول يجمع إليه ، وهو من قولهم : جبيت الماء في الحوض : إذا جمعته فيه ، وإنما أريد بذلك : يحمل إليه ثمرات كلّ بلد . كما :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن عطية ، عن شريك ، عن عثمان بن أبي زرعة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في يُجْبَى إلْيهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَيْءٍ قال : ثمرات الأرض .
وقوله : رِزْقا مَنْ لَدنّا يقول : ورزقا رزقناهم من لدنا ، يعني : من عندنا وَلَكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ يقول تعالى ذكره : ولكن أكثر هؤلاء المشركين القائلين لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنْ نَتّبِعِ الهُدَى مَعكَ نُتَخَطّفْ مِنْ أرْضِنا لا يعلمون أنا نحن الذين مكّنا لهم حرما آمنا ، ورزقناهم فيه ، وجعلنا الثمرات من كلّ أرض تجبى إليهم ، فهم بجهلهم بمن فعل ذلك بهم يكفرون ، لا يشكرون من أنعم عليهم بذلك .
{ وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا } نخرج منها . نزلت في الحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : نحن نعلم أنك على الحق ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب وإنما نحن أكلة رأس أن يتخطفونا من أرضنا فرد الله عليهم بقوله : { و لم نمكن لهم حرما آمنا } أو لم نجعل مكانهم حرما ذا أمن بحرمة البيت الذي فيه يتناحر العرب حوله وهم آمنون فيه . { يجبى إليه } يحمل إليه ويجمع فيه ، وقرأ نافع ويعقوب في رواية بالتاء . { ثمرات كل شيء } من كل أوب . { رزقا من لدنا } فإذا كان هذا حالهم وهم عبدة الأصنام فكيف نعرضهم للتخوف والتخطف إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة التوحيد . { ولكن أكثرهم لا يعلمون } جهلة لا يتفطنون له ولا يتفكرون ليعلموه ، وقيل إنه متعلق بقوله { من لدنا } أي قليل منهم يتدبرون فيعلمون أن ذلك رزق من عند الله ، وأكثرهم لا يعلمون إذ لو علموا لما خافوا غيره ، وانتصاب { رزقا } على المصدر من معنى { يجبى } ، أو حال من ال { ثمرات } لتخصصها بالإضافة ، ثم بين أن الأمر بالعكس فإنهم أحقاء بأن يخافوا من بأس الله على ما هم عليه بقوله : { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.