تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ} (54)

ينبه تعالى على تنقل الإنسان في أطوار الخلق حالا بعد حال ، فأصله من تراب ، ثم من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، ثم يصير عظاما ثم يُكسَى لحما ، ويُنفَخ فيه الروح ، ثم يخرج من بطن أمه ضعيفا نحيفًا واهن القوى . ثم يشب قليلا قليلا حتى يكون صغيرًا ، ثم حَدَثا ، ثم مراهقًا ، ثم شابا . وهو القوة بعد الضعف ، ثم يشرع في النقص فيكتهل{[22905]} ، ثم يشيخ ثم يهرم ، وهو الضعف بعد القوة . فتضعف الهمة والحركة والبطش ، وتشيب اللّمَّة ، وتتغير الصفات الظاهرة والباطنة ؛ ولهذا قال : { ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } أي : يفعل ما يشاء ويتصرف في عبيده بما يريد ، { وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ } .

قال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، عن فضيل ويزيد ، حدثنا فضيل بن مرزوق{[22906]} ، عن عطية العوفي ، قال : قرأت على ابن عمر : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا }{[22907]} ، فقال : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا } ، ثم قال : قرأتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قرأت علي ، فأخذ علي كما أخذتُ عليك .

ورواه أبو داود والترمذي - وحَسَّنه - من حديث فضيل ، به{[22908]} . ورواه أبو داود من حديث عبد الله بن جابر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، بنحوه{[22909]} .


[22905]:- في ت، ف، أ: "فيتكهل".
[22906]:- في ت: "وروى الإمام أحمد بإسناده".
[22907]:- في أ: "ضعفا وشيبة".
[22908]:- المسند (2/58) وسنن أبي داود برقم (3978) وسنن الترمذي برقم (2936).
[22909]:- سنن أبي داود برقم (3979)
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ} (54)

القول في تأويل قوله تعالى : { اللّهُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ ثُمّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوّةٍ ثُمّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ } .

يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذّبين بالبعث من مشركي قريش ، محتجا عليهم بأنه القادر على ذلك وعلى ما يشاء : اللّهُ الّذِي خَلَقَكُمْ أيها الناس مِنْ ضَعْفٍ يقول : من نُطْفة وماء مَهِين ، فأنشأكم بَشَرا سويّا ثُمّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوّةً يقول : ثم جعل لكم قوّة على التصرّف ، من بعد خلقه إياكم من ضعف ، ومن بعد ضعفكم ، بالصغر والطفولة ثُمّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوّةٍ ضَعْفا وَشَيْبَةً يقول : ثم أحدث لكم الضعف بالهرم والكبر عما كنتم عليه أقوياء في شبابكم وشيبة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ أي من نطفة ثُمّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوّةً ، ثُمّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوّةٍ ضَعْفا الهرم وَشَيْبَةً الشّمَط .

وقوله : يَخْلُقُ ما يَشاءُ يقول تعالى ذكره : يخلق ما يشاء من ضعف وقوّة وشباب وشيب وَهُوَ العَلِيمُ بتدبير خلقه القَدِيرُ على ما يشاء ، لا يمتنع عليه شيء أراده ، فكما فعل هذه الأشياء ، فكذلك يميت خلقه ويحييهم إذا شاء . يقول : واعلموا أن الذي فعل هذه الأفعال بقدرته يحيي الموتى إذا شاء .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ} (54)

{ الله الذي خلقكم من ضعف } أي ابتدأكم ضعفاء وجعل الضعف أساس أمركم كقوله { خلق الإنسان ضعيفا } أو خلقكم من أصل ضعيف وهو النطفة . { ثم جعل من بعد ضعف قوة } وذلك إذا بلغتم الحلم أو تعلق بأبدانكم الروح . { ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة } إذا أخذ منكم السن ، وفتح عاصم وحمزة الضاد في جميعها والضم أقوى لقول ابن عمر رضي الله عنهما : قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ضعف فأقرأني من ضعف " . وهما لغتان كالفقر والفقر والتنكير مع التكرير لأن المتأخر ليس عين المتقدم . { يخلق ما يشاء } من ضعف وقوة وشبيبة وشيبة . { وهو العليم القدير } فإن الترديد في الأحوال المختلفة مع إمكان غيره دليل العلم والقدرة .