فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ} (54)

{ الله الذي خلقكم } ذكر سبحانه استدلالا آخر على كمال قدرته ، وهو خلق الإنسان نفسه على أطوار مختلفة ، كما قال : { من ضعف } أي : بدأكم وأنشأكم على ضعف ، وهو مصدر ، ضد القوة ، قال الواحدي : قال المفسرون : من نطفة كقوله : من ماء مهين ، أي : ذي ضعيف ، وقيل : المراد حال الطفولية والصغر ، فهذه أحوال غاية الضعف ، قرئ : ضعف بضم الضاد في هذه المواضع ، وبفتحها ، وهما سبعيتان . قال الفراء : الضم لغة قريش ، والفتح لغة تميم ؛ قال الجوهري : الضعف خلاف القوة والصحة ، وقيل : هو بالفتح في الرأي ، وبالضم في الجسم ، وأجاز ضعف بفتحتين .

{ ثم جعل من بعد ضعف قوة } وهي قوة الشباب ، وبلوغ الأشد ، فإنه إذا ذاك تستحكم القوة ، وتشتد إلى بلوغ النهاية .

{ ثم جعل من بعد قوة ضعفا } أي : عند الكبر والهرم { وشيبة } هي تمام الضعف ، ونهاية الكبر . وقيل : بياض الشعر الأسود ، ويحصل أوله في الغالب في السنة الثالثة والأربعين ، وهو أول سن{[1366]} الاكتهال ، والأخذ في النقص بالفعل بعد الخمسين إلى أن يزيد النقص في الثالثة والستين ، وهو أول سن الشيخوخة ، ويقوى الضعف إلى ما شاء الله تعالى .

{ يخلق ما يشاء } من جميع الأشياء ، ومن جملتها القوة والضعف ، والشباب والشيبة ، في بني آدم { وهو العليم } بتدبيره وأحوالهم { القدير } على خلق ما يريده وتغييرهم ، وهذا الترديد في الأحوال أبين دليل على الصانع القادر .


[1366]:الكهولة من الأربعين إلى الستين وبعدها الشيخوخة المطيعي.