تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ} (54)

الآية 54 وقوله تعالى : { الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة } هذا يحتمل وجهين :

أحدهما : قوله : { خلقكم من ضعف } أي من النطفة ، وهو ما قال في آية أخرى { ألم نخلقكم من ماء مهين } [ المرسلات : 20 ] أي ضعيف ثم قوله : { ثم جعل من بعد ضعف قوة } أي إنسانا ، يقوى على أمور وعلى أشياء { ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة } أي شيخا فانيا كقوله تعالى : { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا } [ النحل : 70 ، الحج : 5 ] .

[ والثاني ]( {[16129]} ) : أن يكون قوله : { خلقكم من ضعف } أي أطفالا ، لا( {[16130]} ) على الخلقة التي أنتم عليها اليوم ، ضعفاء لا تقوون على أشياء وأمور ، ولا يقوى شيء منكم على شيء { ثم جعل من بعد ضعف قوة } ثم جعلكم( {[16131]} ) من بعد ذلك الضعف أقوياء ، تقوون على أشياء وأمور { ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة } ثم يجعلكم( {[16132]} ) من بعد تلك القوة والقدرة ضعفاء شيوخا ، ولا تقدرون على شيء على ما يكون يحتمل هذين الوجهين .

ثم فيه وجهان من الدلالة :

أحدهما : على البعث .

والثاني : على القدرة على إنشاء الخلق والأشياء لا من أصول .

أما الدلالة على البعث فلأنهم كانوا ينكرون( {[16133]} ) البعث وإنشاء الشيء لا من أصل لخروج عن قواهم وتقديرهم ؛ يخبر أن النطفة ، تصير علقة ، وليس فيها من العلقة ولا من آثارها شيء . وكذلك العلقة ، تصير مضغة ، وليس فيها من آثار المضغة شيء ، وكذلك المضغة ، تصير إنسانا ، فيه عظم وجلد وشعر ولحم ، وليس شيء من ذلك فيها . فمن قدر على ما ذكر فيقدر على خلق الشيء لا من أصل ، ويقدر على البعث ، إذ كل ما ذكر أقرّوا به ، وهو خارج عن قواهم وعن تقديرهم . فلزمهم الإقرار بالبعث والإنشاء لا عن أصل ، وألا يقدروا قدرتهم بقردة الله وقوته على ما شاهدوا أشياء خارجة عن قواهم وعن تقديرهم بقوة الله وقدرته .

والثاني : أن ما ذكر من تحويل النطفة إلى العلقة والعلقة إلى المضغة والمضغة إلى الصورة والإنسان ، لم يحولهم ، ولم ينقلهم ليكون كما ذكر بلا عاقبة تكون لهم ولا بعث .

فلو لم يكن بعث لكان ما ذكر من تحويل حال إلى حال عبثا باطلا على ما ذكر .

وكذلك في ما أحدث من الأطفال من القوة والقدرة بعد ما كانوا ضعفاء ، لا يقوون ، ولا يقدرون على شيء . أنه إنما أحدث فيهم ليمتحنوا ، ويجعل لهم [ عاقبة ]( {[16134]} ) يثابون ، ويعاقبون ، إذ لو لم يكن بعث ولا عاقبة لكان فعل ذلك عبثا باطلا .

[ وفيه القدرة ]( {[16135]} ) على إنشاء الشيء ، وإحداثه لا من شيء ، إذ كان التركيب موجودا على التمام ، ولا قوة به( {[16136]} ) ، ثم أحدث القوة ، ولا أصل لها ، ولا أثر من آثارها . دل أن تقدير قوى الخلق بقوى الله محال ، والله الموفق .

وقوله تعالى : { يخلق ما يشاء وهو العليم القدير } بأحوالهم ، والقدير على إنشاء الأشياء لا من أشياء وعلى البعث بعد الموت ، والله أعلم .


[16129]:في الأصل وم: وجائز.
[16130]:ساقطة من م.
[16131]:في الأصل وم: جعل.
[16132]:في الأصل وم: يجعل.
[16133]:من م، في الأصل: يقدرون.
[16134]:ساقطة من الأصل وم.
[16135]:من م، ساقطة من الأصل.
[16136]:في الأصل وم: بهم.