تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{إِنَّآ أَنذَرۡنَٰكُمۡ عَذَابٗا قَرِيبٗا يَوۡمَ يَنظُرُ ٱلۡمَرۡءُ مَا قَدَّمَتۡ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلۡكَافِرُ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ تُرَٰبَۢا} (40)

وقوله : { إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا } يعني : يوم القيامة لتأكد وقوعه صار قريبا ، لأن كل ما هو آت آت .

{ يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } أي : يعرض عليه جميع أعماله ، خيرها وشرها ، قديمها وحديثها ، كقوله : { وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا } [ الكهف : 49 ] ، وكقوله : { يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [ القيامة : 13 ] .

{ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا } أي : يود الكافر يومئذ أنه كان في الدار الدنيا ترابا ، ولم يكن خُلِقَ ، ولا خرج إلى الوجود . وذلك حين عاين عذاب الله ، ونظر إلى أعماله الفاسدة قد سُطَّرت عليه بأيدي الملائكة السَّفَرة الكرام البَرَرة ، وقيل : إنما يود ذلك حين يحكم الله بين الحيوانات التي كانت في الدنيا ، فيفصل بينها بحكمه العدل الذي لا يجور ، حتى إنه ليقتص للشاة الجمَّاء من القرناء . فإذا فرغ من الحكم بينها قال لها : كوني ترابا ، فتصير ترابا . فعند ذلك يقول الكافر : { يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا } أي : كنت حيوانا فأرجع إلى التراب . وقد ورد معنى هذا في حديث الصّور المشهور{[29677]} وورد فيه آثار عن أبي هُرَيرة ، وعبد الله بن عمرو ، وغيرهما .

[ آخر تفسير سورة " عم " {[29678]} ] {[29679]}


[29677]:- (1) حديث الصور تقدم بطوله عند تفسير الآية: 73 من سورة "الأنعام".
[29678]:- (2) في م: "النبأ".
[29679]:- (3) زيادة من م، أ.