ثم إنه - تعالى - زاد في تخويف الكفَّار فقال تعالى : { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً } يعني العذاب في الآخرة ، وسماه قريباً ؛ لأن كل ما هو آت قريب . كقوله تعالى : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } [ النازعات : 46 ] .
وقال قتادة : عقوبة الدنيا ؛ لأنه أقرب العذابين{[59194]} .
وقال مقاتل : هي قتل قريش ب «بدر » ، وهذا خطاب لكفَّار قريش ، ولمشركي العرب ؛ لأنهم قالوا : لا نُبْعَثُ ، وإنَّما سمَّاهُ إنذاراً ؛ لأنَّه - تعالى - قد خوَّف بهذا الوصف نهاية التخويف ، وهو معنى الإنذار{[59195]} .
قوله : { يَوْمَ يَنظُرُ المرء } . يجوز أن يكون بدلاً من «يوم » قبله ، وأن يكون منصوباً ب «عذاباً » أي : العذاب واقع في ذلك اليوم .
وجوّز أبو البقاء أن يكون نعتاً ل «قريباً » ولو جعله نعتاً ل «عَذاباً » كان أولى .
والعامَّة : بفتح ميم «المرء » وهي الغالبة ، وابن أبي إسحاق{[59196]} : بضمها ، وهي لغة يتبعُون اللام الفاء .
وخطَّأ أبو حاتم هذه القراءة ، وليس بصواب لثبوتها لغة .
أراد بالمرء : المؤمن في قول الحسن ، أي : ليجد لنفسه عملاً ، فأمَّا الكافر فلا يجد لنفسه عملاً ، فيتمنى أن يكون تراباً ، قال : { وَيَقُولُ الكافر } فعلم أنه أراد بالمرء المؤمن ، وقيل : المراد هنا أبيُّ بنُ خلفٍ ، وعُقبَةُ بنُ أبِي معيط ، ويَقول الكافِرُ : أبو جهل .
وقيل : هو عام في كل أحد يرى في ذلك اليوم جزاء ما كسبَتْ .
قوله : { مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } . يجوز في «ما » أن تكون استفهامية معلقة ل «يَنْظُر » على أنَّه من النظر ، فتكون الجملة في موضع نصب على إسقاط الخافض ، وأن تكون موصولة مفعولة بها ، والنَّظر بمعنى الانتظارِ ، أي : ينتظر الذي قدمت يداه .
قوله تعالى : { وَيَقُولُ الكافر يا ليتني كُنتُ تُرَاباً } .
العامة : لا يدغمون تاء «كنت تراباً » قالوا : لأنَّ الفاعل لا يحذف ، والإدغامُ يشبه الحذف ، وفي قوله تعالى : { وَيَقُولُ الكافر } وضع الظاهر موضع المضمر شهادة عليه بذلك .
قال مقاتل : نزل قوله تعالى : { يَوْمَ يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } في أبِي سلمةَ بْنِ عَبْدِ الأسدِ المخزوميِّ . ويقول الكافر : «يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً » في أخيه بْنِ عبدِ الأسدِ{[59197]} .
وقال الثعلبي : سمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : الكافر هنا إبليس - لعنة الله عليه - وذلك بأنه عاب آدم - عليه الصلاة والسلام - بأنه خلقَ من تُرابٍ ، وافتخر بأنه خلقَ من نار ، فإذا عاين يوم القيامة ما فيه من آدم وبنوه من الثواب والراحة ، ورأى ما هو فيه من الشدة والعذاب ، تمنى أنه كان بمكان آدم ، فيقول : يا ليتني كنت تراباً ، قال : ورأيته في بعض التفاسير للقشيري أبي نصر .
روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : «يُحْشَرُ الخَلقُ كُلُّهُمْ مِنْ دابَّةٍ ، وطَائِرٍ ، وإنْسَانٍ ، ثُمَّ يُقَالُ للبَهَائِمِ والطَّيْرِ : كُونُوا تُرَاباً ، عند ذلكَ يَقُولُ الكَافِرُ : يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً »{[59198]} .
وقيل : معنى «يا ليتني كنت تراباً » أي : لم أبعثْ .
وقال أبو الزناد : إذا قُضِيَ بين الناس ، وأمِرَ بأهْلِ الجنَّة إلى الجنَّة ، وأهْلِ النَّار إلى النار ، قيل لسائر الأمم ولو من الجن : عودوا تراباً ، فيعودون تراباً ، فعند ذلك يقول الكافر حين يراهم : يا ليتني كنت تراباً .
وقال ليث بن أبي سليم : مُؤمنو الجِنِّ يعُودُونَ تُرَاباً .
وقال عُمرُ بْنُ عبدِ العزِيْزِ والزُّهْرِيُّ والكلبيُّ ومجاهدٌ : مؤمنو الجِنِّ حول الجنَّةِ في رَبضِ ورحابٍ وليسوا فيها ، وهذا أصح ، فإنهم مُكَلَّفُونَ : يُثَابُونَ ويُعَاقَبُونَ كبَنِي آدمَ .
روى الثعلبي عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَرَأ { عَمَّ يتساءلون } سقاه الله تعالى بَرْدَ الشَّرابِ يَوْمَ القِيَامَةِ »{[1]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.