البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّآ أَنذَرۡنَٰكُمۡ عَذَابٗا قَرِيبٗا يَوۡمَ يَنظُرُ ٱلۡمَرۡءُ مَا قَدَّمَتۡ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلۡكَافِرُ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ تُرَٰبَۢا} (40)

والخطاب في { أنذرناكم } لمن حضر النبي صلى الله عليه وسلم ، واندرج فيه من يأتي بعدهم ، { عذاباً } : هو عذاب الآخرة لتحقق وقوعه ، وكل آت قريب .

{ يوم ينظر المرء } : عام في المؤمن والكافر .

{ ما قدمت يداه } من خير أو شر لقيام الحجة له وعليه .

وقال الزمخشري ، وقاله قبله عطاء : المرء هو الكافر لقوله : { إنا أنذرناكم عذاباً قريباً } ، والكافر ظاهر وضع موضع الضمير لزيادة الذم .

ومعنى { ما قدمت يداه } من الشر لقوله : { وذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم } وقال ابن عباس وقتادة والحسن : المرء هنا المؤمن ، كأنه نظر إلى مقابله في قوله : { ويقول الكافر } .

وقرأ الجمهور : { المرء } بفتح الميم ؛ وابن أبي إسحاق بضمها ؛ وضعفها أبو حاتم ، ولا ينبغي أن تضعف لأنها لغة يتبعون حركة الميم لحركة الهمزة فيقولون : مرؤ ومرأ ومرء على حسب الإعراب ، وما منصوب بينظر ومعناه : ينتظر ما قدّمت يداه ، فما موصولة .

ويجوز أن يكون ينظر من النظر ، وعلق عن الجملة فهي في موضع نصب على تقدير إسقاط الخافض ، وما استفهامية منصوبة تقدّمت ، وتمنيه ذلك ، أي تراباً في الدنيا ، ولم يخلق أو في ذلك اليوم .

وقال أبو هريرة وعبد الله بن عمر : إن الله تعالى يحضر البهائم يوم القيامة فيقتص من بعضها لبعض ، ثم يقول لها بعد ذلك : كوني تراباً ، فتعود جميعها تراباً ، فإذا رأى الكافر ذلك تمنى مثله .

وقيل : الكافر هنا إبليس ، إذا رأى ما حصل للمؤمنين من الثواب قال : { يا ليتني كنت تراباً } كآدم الذي خلق من تراب واحتقره هو أوّلاً .

وقيل : { تراباً } : أي متواضعاً لطاعة الله تعالى ، لا جباراً ولا متكبراً .