فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّآ أَنذَرۡنَٰكُمۡ عَذَابٗا قَرِيبٗا يَوۡمَ يَنظُرُ ٱلۡمَرۡءُ مَا قَدَّمَتۡ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلۡكَافِرُ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ تُرَٰبَۢا} (40)

ثم زاد سبحانه في تخويف الكفار فقال : { إِنَّا أنذرناكم عَذَاباً قَرِيباً } يعني : العذاب في الآخرة ، وكلّ ما هو آت فهو قريب ، ومثله قوله : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضحاها } [ النازعات : 46 ] كذا قال الكلبي وغيره . وقال قتادة : هو عذاب الدنيا لأنه أقرب العذابين . قال مقاتل : هو قتل قريش ببدر ، والأوّل أولى لقوله : { يَوْمَ يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } فإن الظرف إما بدل من عذاب أو ظرف لمضمر هو صفة له : أي عذاباً كائناً { يَوْمَ يَنظُرُ المرء } أي يشاهد ما قدّمه من خير أو شرّ ، وما موصولة أو استفهامية . قال الحسن : والمرء هنا هو المؤمن : أي يجد لنفسه عملاً ، فأما الكافر فلا يجد لنفسه عملاً ، فيتمنى أن يكون تراباً ، وقيل : المراد به الكافر على العموم ، وقيل : أبيّ بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، والأوّل أولى لقوله : { وَيَقُولُ الكافر ياليتني كُنتُ تراباً } فإن الكافر واقع في مقابلة المرء ، والمراد جنس الكافر يتمنى أن يكون تراباً لما يشاهده مما قد أعدّه الله له من أنواع العذاب ، والمعنى : أنه يتمنى أنه كان تراباً في الدنيا فلم يخلق ، أو تراباً يوم القيامة . وقيل : المراد بالكافر أبو جهل ، وقيل : أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، وقيل : إبليس ، والأوّل أولى اعتباراً بعموم اللفظ ، ولا ينافيه خصوص السبب كما تقدّم غير مرّة .

/خ40