إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّآ أَنذَرۡنَٰكُمۡ عَذَابٗا قَرِيبٗا يَوۡمَ يَنظُرُ ٱلۡمَرۡءُ مَا قَدَّمَتۡ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلۡكَافِرُ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ تُرَٰبَۢا} (40)

{ إِنَّا أنذرناكم } أيْ بمَا ذُكرَ في السورةِ من الآيات الناطقةِ بالبعث وبمَا بعدَهُ من الدَّواهي أو بها وبسائر القوارعِ الواردةِ في القرآن { عَذَاباً قَرِيباً } هو عذابُ الآخرةِ وقربُه لتحقق إتيانِه حَتْماً ولأنَّه قريبٌ بالنسبة إليه تعالى ، وإنْ رَأَوْه بعيداً وسيرونَهُ قريباً لقولِه تعالى : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضحاها } [ سورة النازعات ، الآية 36 ] وعن قَتَادَةَ : هو عقوبةُ الدُّنيا لأنَّه أقربُ العذابينِ وعن مقاتلٍ : هو قتلُ قريشٍ يومَ بدرٍ ويأباهُ قولُه تعالى : { يَوْمَ يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } فإنَّه إما بدلٌ من عذاباً أو ظرفٌ لمضمرٍ هو صفةٌ له أي عذاباً كائناً يومَ ينظرُ المرءُ أي شاهدُ ما قدمَهُ من خيرٍ أو شرَ على أنَّ مَا موصولةٌ منصوبةٌ بينظرُ ، والعائدُ محذوفٌ أو ينظرُ أيَّ شيءٍ قدمتْ يداهُ على أنَّها استفهاميةٌ منصوبةٌ بقدمتْ وقيلَ : المرءُ عبارةٌ عن الكافر وما في قوله تعالى : { وَيَقُولُ الكافر يا ليتني كُنتُ ترابا } ظاهرٌ وضعَ موضعَ الضميرِ لزيادةِ الذمِّ قيلَ : معنى تمنيهِ ليتني كنتُ تراباً في الدُّنيا فلم أُخلقْ ولم أُكلَّف أو ليتني كنتُ تُراباً في هذا اليومِ فلم أُبعثْ وقيلَ : يحشرُ الله تعالى الحيوانَ فيقتصُّ للجمَّاءِ{[815]} من القرناءِ ثم يردُّه تراباً فيودُّ الكافرُ حالَه وقيلَ : الكافرُ إبليسُ يَرَى آدمَ وولدَهُ وثوابَهُم فيتمنَّى أنْ يكونَ الشيءَ الذي احتقرَهُ حينَ قالَ : خلقتني من نارٍ وخلقتَهُ من طينٍ .

ختام السورة:

عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قرأَ سورةَ عَمَّ يتساءلونَ سقاهُ الله تعالى بردَ الشرابِ يومَ القيامةِ » والحمدُ لله وَحْدَهُ .


[815]:الجماء: التي لا قرون لها.