السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّآ أَنذَرۡنَٰكُمۡ عَذَابٗا قَرِيبٗا يَوۡمَ يَنظُرُ ٱلۡمَرۡءُ مَا قَدَّمَتۡ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلۡكَافِرُ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ تُرَٰبَۢا} (40)

{ إنّا } أي : على ما لنا من العظمة { أنذرناكم } أي : يا كفار مكة { عذاباً قريباً } أي : عذاب يوم القيامة الآتي وكل آت قريب ، وقوله تعالى : { يوم } ظرف لعذاباً بصفته { ينظر المرء } أي : كل امرئ سواء كان مؤمناً أو كافراً نظراً لا مرية فيه { ما } أي : الذي { قدمت يداه } أي : كسبه في الدنيا من خير وشرّ ، وقال الحسن رضي الله عنه : أراد بالمرء المؤمن أي : يجد لنفسه عملاً ، وأما الكافر فلا يجد لنفسه عملاً فيتمنى أن يكون تراباً ، ولأنه تعالى قال : { ويقول الكافر } فعلم أنه أراد بالمرء المؤمن وقيل : هو الكافر لقوله تعالى : { إنا أنذرناكم } فيكون الكافر ظاهراً وضع موضع الضمير لزيادة الذمّ . ومعنى { ما قدّمت يداه } من الشرّ كقوله تعالى : { ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق 9 ذلك بما قدمت يداك } [ الحج : 9 10 ] وما يجوز أن تكون استفهامية منصوبة بقدّمت أي : ينظر أي شيء قدّمت يداه أو موصولة منصوبة بينظر يقال : نظرته بمعنى نظرت إليه والراجع إلى الصلة محذوف .

وقال مقاتل رضي الله عنه : نزل قوله تعالى : { يوم ينظر المرء ما قدّمت يداه } في أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، و { ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً } في أخيه الأسود بن عبد الأسد وقال الثعلبي : سمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : الكافر هنا إبليس ، وذلك أنه عاب آدم عليه السلام بأنه خلق من تراب وافتخر بأنه خلق من نار ، فإذا عاين يوم القيامة ما فيه آدم وبنوه من الثواب والراحة ورأى ما هو فيه من الشدّة والعذاب تمنى أنه كان بمكان آدم فيقول { يا ليتني كنت تراباً } . قال : ورأيته في بعض التفاسير .

قال البغويّ : قال أبو هريرة رضي الله عنه فيقول التراب : لا ولا كرامة لكل من جعلك مثلي . وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : يحشر الخلق كلهم من دابة وطائر وإنسان ثم يقال للبهائم والطير : كونوا تراباً ، فعند ذلك يقول الكافر { يا ليتني كنت تراباً } أي : فلا أعذب وقيل : معنى { يا ليتني كنت تراباً } أي : لم أبعث . وقال أبو الزناد : إذا قضي بين الناس وأمر بأهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار قيل لسائر الأمم ولمؤمني الجنّ : عودوا تراباً فيعودون تراباً فعند ذلك يقول الكافر حين يراهم : { يا ليتني كنت تراباً } ، وقال ليث بن أبي سليم مؤمنو الجنّ يعودون تراباً . وقال عمر بن عبد العزيز ومجاهد وغيرهما : مؤمنو الجنّ حول الجنة في ربض ورحاب وليسوا فيها ، والذي عليه الأكثر أنهم مكلفون مثابون ومعاقبون كبني آدم ، وقيل : يحشر الله تعالى الحيوان غير مكلف حتى يقتص للجماء من القرناء ثم يردّه تراباً فيودّ الكافر حاله .

ختام السورة:

وما قاله البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال : «من قرأ سورة عمّ سقاه الله تعالى برد الشراب يوم القيامة » حديث موضوع .