لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي خمس آيات ، وعشرون كلمة ، وسبعة وسبعون حرفا .

قوله عز وجل : { تبت يدا أبي لهب وتب } ( ق ) عن ابن عباس قال : لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا ، ونادى : " يا بني فهر ، يا بني عدي " ، لبطون من قريش حتى اجتمعوا ، فجعل الرجل إذا لم يستطع أرسل رسولاً لينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش ، فقال : " أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيَّ ؟ " ، قالوا : نعم . ما جربنا عليك إلا صدقاً . قال : " فإني لكم نذير بين يدي عذاب شديد " ، فقال أبو لهب : تبّاً لك سائر اليوم ، ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت { تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب } .

وفي رواية " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل ، فنادى : " يا صباحاه " ، فاجتمعت عليه قريش . الحديث ، وذكر نحوه .

ومعنى تبت : خابت وخسرت ، والتباب هو الخسار المفضي إلى الهلاك . والمراد من اليد صاحبها ، وجملة بدنه ، وذلك على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله وجميعه ، وقيل : إنه رمى النبي صلى الله عليه وسلم بحجر ، فأدمى عقبه ، فلهذا ذكرت اليد ، وإن كان المراد جملة البدن ، فهو كقولهم خسرت يده ، وكسبت يده ، فأضيفت الأفعال إلى اليد . وأبو لهب هو عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وكني بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه .

فإن قلت : لم كناه ، وفي الكنية تشريف وتكرمة ؟ قلت : فيه وجوه :

أحدها : أنه كان مشتهراً بالكنية دون الاسم ، فلو ذكره باسمه لم يعرف .

الثاني : أنه كان اسمه عبد العزى ، فعدل عنه إلى الكنية لما فيه من الشّرك .

الثالث : أنه لما كان من أهل النّار ومآله إلى النار ، والنار ذات لهب ، وافقت حاله كنيته ، وكان جديراً بأن يذكر بها . { وتب } قيل : الأول أخرج مخرج الدعاء عليه ، والثاني أخرج مخرج الخبر ، كما يقال : أهلكه الله ، وقد هلك . وقيل : { تبت يدا أبي لهب } يعني ماله وملكه ، كما يقال : فلان قليل ذات اليد ، يعنون به المال ، { وتب } يعني نفسه ، أي وقد أهلكت نفسه .