قوله تعالى : { لكن الراسخون في العلم منهم } يعني من اليهود وهذا استثناء استثنى الله عز وجل من آمن من أهل الكتاب ممن تقدم وصفهم في الآيات التي تقدمت فبين فيما تقدم حال كفار اليهود والجهال منهم وبين في هذه الآية حال من هداه لدينه منهم وأرشده للعمل بما علم فقال لكن الراسخون في العلم ولكن هنا بمعنى الاستدراك والاستثناء والراسخون في العلم الثابتون في العلم البالغون فيه أولو البصائر الثاقبة والعقول الصافية وهم عبد الله بن سلام وأصحابه الذين أسلموا من أهل الكتاب لأنهم رسخوا في العلم وعرفوا حقيقته فأوصلهم ذلك إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم { والمؤمنون } يعني بالله ورسله { يؤمنون بما أنزل إليك } يعني بالقرآن الذي أنزل إليك { وما أنزل من قبلك } يعني ويؤمنون بسائر الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه من قبله يا محمد وفي المراد بالمؤمنين ها هنا قولان : أحدهما إنهم أهل الكتاب فيكون المعنى لكن الراسخون في العلم منهم وهم المؤمنون . والقول الثاني أنهم المهاجرون والأنصار من هذه الأمة فيكون قوله والمؤمنون ابتداء كلام مستأنف يؤمنون بما أنزل إليك ويعني أنهم يصدقون بالقرآن الذي أنزل إليك يا محمد وما أنزل من قبلك { والمقيمين الصلاة } اختلف العلماء في وجه نصبه فحكي عن عائشة وأبان بن عثمان أنه غلط من الكتاب ينبغي أن يكتب والمقيمون الصلاة . وقال عثمان بن عفان إن في المصحف لحناً ستقيمه العرب بألسنتهم فقيل له أفلا تغيره ؟ فقال دعوه فإنه لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً وذهب عامة الصحابة وسائر العلماء من بعدهم إلى أنه لفظ صحيح ليس فيه من خطأ من كاتب ولا غيره وأجيب عما روي عن عثمان بن عفان وعن عائشة وأبان بن عثمان بأن هذا بعيد جداً لأن الذين جمعوا القرآن هم أهل اللغة والفصاحة والقدرة على ذلك فكيف يتركون في كتاب الله لحناً يصلحه غيرهم فلا ينبغي أن ينسب هذا إليهم . قال ابن الأنباري : ما روي عن عثمان لا يصلح لأنه غير متصل ومحال أن يؤخر عثمان شيئاً فاسداً ليصلحه غيره ولأن القرآن منقول بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يمكن ثبوت اللحن فيه ؟ وقال الزمخشري في الكشاف ولا يلتفت إلى ما زعموا من قوع لحن في خط المصحف وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب يعني كتاب سيبويه ولم يعرف مذاهب العرب وما لهم في النصب على الاختصاص والمدح من الافتتان وهو باب واسع قد ذكره سيبويه على أمثلة وشواهد وربما غبي عليه أن السابقين الأولين كانوا أبعد همة في الغيرة في الإسلام وذب الطاعن عنه من أن يتركوا في كتاب الله عز وجل ثلمة يسدها من بعدهم وخرقاً يرفؤه من يلحن بهم ثم اختلف العلماء في المقيمين الصلاة أهم الراسخون في العلم أم غيرهم ؟ على قولين : أحدهما إنهم هم وإنما نصب على المدح والمعنى أذكر المقيمين الصلاة وهم المؤتون الزكاة قالوا والعرب تفعل ذلك في صفة الشيء الواحد ونعته وإذا تطاولت بمدح أو ذم فربما خالفوا بين إعراب أوله وأوسطه أحياناً ثم رجعوا بآخره إلى إعراب أوله وربما أجروا إعراب آخره على إعراب أوسطه وربما أجروا ذلك على نوع واحد من الإعراب واستشهدوا على معنى الآية :
لا يبعدن قومي الذين هم سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك والطيبون معاقد الأزر
وهذا على معنى أذكر النازلين وهم الطيبون ومن هذا المعنى تقول جاءني قومك المطعمين وهم المعينون . والقول الثاني أن المقيمين الصلاة غير الراسخين في العلم وموضع والمقيمين الصلاة خفض بالعطف على قوله تعالى بما أنزل إليك فعلى هذا القول يكون معنى الآية : { والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة } وهم الأنبياء لأنه لم يخل شرع أحد منهم عن إقامة الصلاة وقيل المراد بهم الملائكة لأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون وصحح الزجاج القول الأول واختاره وصحح الطبري القول الثاني واختاره .
وقوله تعالى : { والمؤتون الزكاة } عطف على والمؤمنون لأنه من صفتهم { والمؤمنون بالله واليوم الآخر } يعني والمصدقون بوحدانية الله تعالى وبالبعث بعد الموت وبالثواب وبالعقاب { أولئك } يعني من هذه الأوصاف صفته { سنؤتيهم أجراً عظيماً } يعني سنعطيهم على ما كان منهم من طاعة الله وإتباع أمره ثواباً عظيماً وهو الجنة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.