التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{لَّـٰكِنِ ٱلرَّـٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ مِنۡهُمۡ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَۚ وَٱلۡمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَٱلۡمُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ أُوْلَـٰٓئِكَ سَنُؤۡتِيهِمۡ أَجۡرًا عَظِيمًا} (162)

{ لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ( 2 )وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ( 162 ) } .

( 1 ) المقيمين الصلاة : تعددت الأقوال في سبب مجيء { والمقيمين } منصوبة مع أن الكلمات المعطوفة عليها قبلها وبعدها مرفوعة أي { الراسخون } و { المؤمنون } { والمؤمنات } فهناك قول : إنها قرئت هي الأخرى على الرفع { والمقيمون } وإنها في مصحف أبي ابن كعب كذلك . وهناك قول : إنها على سبيل الاختصاص وتقديرها أخص بالذكر المقيمين للصلاة . وهناك قول إنها معطوفة على { منهم } بمعنى لكن الراسخين في العلم منهم ومن المقيمين للصلاة وقول إنها معطوفة على { بما } بمعنى أنهم يؤمنون بما أنزل من قبلك وبالمقيمين للصلاة . وقول إنها من غلط الكتاب وجمهور المفسرين يستعبدون الغلط ويرجحون الاختصاص{[711]} .

احتوت الآية استدراكا استثنائيا فيه تنويه وبشرى بشأن الراسخين في العلم من اليهود وغيرهم الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم والذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويؤمنون بالله واليوم الآخر . فهؤلاء يؤمنون بما أنزل إلى النبي وما أنزل إلى الأنبياء السابقين قبله . وسوف يؤتيهم الله الأجر العظيم .

وقد روي{[712]} عن ابن عباس أن الآية نزلت في عبد الله ابن سلام وثعلبة ابن سعية وأسد ابن سعية وأسد ابن عبيد من مسلمة اليهود . وهذه الرواية لم ترد في الصحاح . والآية متصل كما هو واضح بالسياق السابق وثيقا ، وإذا صحت الرواية فتكون الآية في صدد الإشارة إلى إيمان هؤلاء وأمثالهم من مسلمة اليهود على سبيل الاستثناء من الجملة التي حملت في الآيات السابقة على اليهود .

ويتبادر لنا أنها استهدفت بالإضافة إلى الاستثناء التنويهي تطمين النبي صلى الله عليه وسلم وتسليته وتدعيم موقفه . وقد يكون ضمير المخاطب في { إليك } قرينة على ذلك : فليس من موجب لانزعاجه واغتمامه . وإذا كان جمهور اليهود يقفون منه موقف الجحود ، ويطلبون منه ما يطلبون بقصد تعجيزه وتحديه فالراسخون في العلم وذوو النيات الحسنة منهم قد أدركوا حقيقة الأمر فصدقوا برسالته وآمنوا . وفي هذا ما فيه من البرهان والكفاية بالنسبة للموقف القائم بينه وبين اليهود .

وننبه على أن مثل هذا الاستدراك والاستثناء قد تكرر في سياق حكاية مواقف اليهود وتعجيزاتهم والحملة عليهم مما مرت منه أمثلة عديدة في سورتي البقرة وآل عمران مستهدفا نفس الهدف أيضا . وفي كل هذا صور تتكرر عن إيمان ذوي النيات الحسنة من علماء اليهود وغيرهم برسالة النبي صلى الله عليه وسلم دون مكابرة وعناد فيها دلالة على ما تحتويه الرسالة المحمدية من عناصر الاستجابة القوية التي لا يمتنع عنها إلا ذوو النيات السيئة والمآرب الخاصة مما نبهنا عليه في مناسبات عديدة سابقة .

والمفسرون يروون دائما في المناسبات المماثلة أسماء معدودة قليلة ممن أسلموا ، بل ويروون نفس الأسماء في كل مناسبة . في حين أن العبارة هنا قد تفيد أن الذين آمنوا من الراسخين في العلم وغيرهم من اليهود ليسوا بهذه القلة ، وإن كانت الروايات لا تساعد على إثبات ذلك .


[711]:انظر تفسيرها في الطبري والخازن وابن كثير والطبرسي والزمخشري.
[712]:انظر تفسير ابن كثير