قوله : { لكن الراسخون فِى العلم مِنْهُمْ } استدراك من قوله : { وَأَعْتَدْنَا للكافرين مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } أو { منَ الذين هَادُوا } وذلك أن اليهود أنكروا وقالوا : إن هذه الأشياء كانت حراماً في الأصل ، وأنت تحلها ، فنزل : { لكن الراسخون } والراسخ : هو المبالغ في علم الكتاب الثابت فيه ، والرسوخ : الثبوت . وقد تقدّم الكلام عليه في آل عمران . والمراد عبد الله بن سلام ، وكعب الأحبار ، ونحوهما . والراسخون مبتدأ ، ويؤمنون خبره ، والمؤمنون معطوف على الراسخون . والمراد بالمؤمنين : إما من آمن من أهل الكتاب ، أو من المهاجرين والأنصار ، أو من الجميع . قوله : { والمقيمين الصلاة } قرأ الحسن ، ومالك بن دينار ، وجماعة : «والمقيمون الصلاة » على العطف على ما قبله ، وكذا هو في مصحف ابن مسعود ، واختلف في وجه نصبه على قراءة الجمهور على أقوال : الأوّل قول سيبويه أنه نصب على المدح ، أي : وأعني المقيمين . قال سيبويه : هذا باب ما ينتصب على التعظيم ، ومن ذلك : { والمقيمين الصلاة } وأنشد :
وكل قوم أطاعوا أمر سيدهم *** إلا نميراً أطاعت أمر غاويها
الطاعنين ولما يطعنوا أحدا *** والقائلون لمن دار نخليها
لا يبعدنّ قومي الذين هم *** سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك *** والطيبون معاقد الأزر
قال النحاس : وهذا أصح ما قيل في المقيمين . وقال الكسائي ، والخليل : هو معطوف على قوله : { بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ } قال الأخفش : وهذا بعيد لأن المعنى يكون هكذا : ويؤمنون بالمقيمين . ووجهه محمد بن يزيد المبرد بأن المقيمين هنا هم الملائكة ، فيكون المعنى : يؤمنون بما أنزل إليك ، وبما أنزل من قبلك ، وبالملائكة ، واختار هذا . وحكى أن النصب على المدح بعيد ؛ لأن المدح إنما يأتي بعد تمام الخبر ، وخبر الرّاسخون هو قوله : { أولئك سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً } وقيل : إن المقيمين معطوف على الضمير في قوله : { مِنْهُمْ } وفيه أنه عطف على مضمر بدون إعادة الخافض .
وحكى عن عائشة أنها سئلت ، عن المقيمين في هذه الآية ، وعن قوله تعالى : { إِنْ هاذان لساحران } [ طه : 63 ] وعن قوله : { والصابئون } [ المائدة : 69 ] في المائدة ؟ فقالت : يا ابن أخي الكتاب أخطئوا . أخرجه عنها أبو عبيد في فضائله ، وسعيد ابن منصور ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر . وقال أبان بن عثمان كان الكاتب يملي عليه ، فيكتب فكتب : { لكن الراسخون فِى العلم مِنْهُمْ والمؤمنون } ثم قال ما أكتب ؟ فقيل له أكتب : { والمقيمين الصلاة } فمن ثم وقع هذا . أخرجه عنه عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر . قال القشيري : وهذا باطل ؛ لأن الذين جمعوا الكتاب كانوا قدوة في اللغة ، فلا يظن بهم ذلك . ويجاب عن القشيري بأنه قد روي عن عثمان بن عفان أنه لما فرغ من المصحف وأتى به إليه قال : أرى فيه شيئاً من لحن ستقيمه العرب بألسنها . أخرجه عنه ابن أبي داود من طرق . وقد رجح قول سيبويه كثير من أئمة النحو والتفسير ، ورجح قول الخليل ، والكسائي ابن جرير الطبري ، والقفال ، وعلى قول سيبويه تكون الجملة معترضة بين المبتدأ والخبر على قول من قال : إن خبر { الرّاسخون } هو قوله : { أولئك سَنُؤْتِيهِمْ } أو بين المعطوف والمعطوف عليه إن جعلنا الرّاسخون هو يؤمنون ، وجعلنا قوله : { والمؤتون الزكاة } عطفاً على المؤمنون لا على قول سيبويه أن المؤتون الزكاة مرفوع على الابتداء ، أو على تقدير مبتدأ محذوف ، أي : هم المؤتون الزكاة . قوله : { والمؤمنون بالله واليوم الآخر } هم مؤمنو أهل الكتاب ، وصفوا أوّلاً بالرسوخ في العلم ، ثم بالإيمان بكتب الله ، وأنهم يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، ويؤمنون بالله ، واليوم الآخر . وقيل المراد بهم : المؤمنون من المهاجرين والأنصار ، كما سلف ، وأنهم جامعون بين هذه الأوصاف ، والإشارة بقوله : { أولئك سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً } إلى { الرّاسخون } ، وما عطف عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.