فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{لَّـٰكِنِ ٱلرَّـٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ مِنۡهُمۡ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَۚ وَٱلۡمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَٱلۡمُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ أُوْلَـٰٓئِكَ سَنُؤۡتِيهِمۡ أَجۡرًا عَظِيمًا} (162)

{ لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } إلا من كان منهم ثابت العلم ، منتتفعا به ، مستقيما على نوره ، مصدقا مستيقنا بهداه ، فإنه يصدق بالكتب المنزلة من قبل من التوراة والزبور والإنجيل ، ويستيقن بالقرآن وهو المصدق لها والمهيمن عليها ، - وقد وصفوا بالإيمان بعدما وصفوا بما يوجبه من الرسوخ في العلم بطريق العطف المبني على المغايرة بين المتعاطفين ، تنزيلا للاختلاف العنواني منزلة الاختلاف الذاتي- ( {[1613]} ) ؛ { والمقيمين الصلاة } نصب على المدح- عند كثير من النحاة- وإقامتها قد تعني : إتمامها من تقويم الشيء وتحسينه وتحقيقه ، وقيل يؤدونها على ما فيها من قيام وغيره ، فعبر عنها بالقيام ، لأن القيام من فروضها ، وإن كانت تشتمل على غيره ؛ - فذكر ركنا من أركانها الذي هو من فروضها ، ودل به على أن ذلك فرض فيها ، وعلى إيجاب ما هو من فروضها ، فصار ( { المقيمين الصلاة } ) موجبا للقيام فيها ، ومخبرا به عن فرض الصلاة ، ويحتمل : المديمين فروضها في أوقاتها ، كقوله تعالى : { . . إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } أي : فرضا في أوقات معلومة لها ، ونحوه قوله تعالى : ( . . قائما بالقسط . . ) ( {[1614]} ) ، يعني : يقيم القسط ولا يفعل غيره ، والعرب تقول في الشيء الراتب الدائم قائم ، . . . ، وقيل هو من قول القائل : قامت السوق ، إذا حضر أهلها ، فيكون معناه : الاشتغال بها عن غيرها ، ومنه : قد قامت الصلاة ؛ وهذه الوجوه على اختلافها يجوز أن تكون مرادة بالآية- ( {[1615]} ) ؛ { والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما } والمعطون زكاة أموالهم مستحقيها ، والمصدقون المستيقنون بالله وباليوم الآخر فأصحاب هذه المنازل من اليقين هيأ الله تعالى لهم الثواب الجزيل في جنات النعيم .


[1613]:من روح المعاني.
[1614]:سورة آل عمران. من الآية 18.
[1615]:من كتاب أحكام القرآن لأبي بكر الجصاص، بتصرف