صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{فَأَعۡرَضُواْ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سَيۡلَ ٱلۡعَرِمِ وَبَدَّلۡنَٰهُم بِجَنَّتَيۡهِمۡ جَنَّتَيۡنِ ذَوَاتَيۡ أُكُلٍ خَمۡطٖ وَأَثۡلٖ وَشَيۡءٖ مِّن سِدۡرٖ قَلِيلٖ} (16)

{ فأرسلنا عليهم سيل العرم } العرم : اسم للوادي الذي كان يأتي السيل منه . وقيل المطر الشديد . وقيل : السيل الذي لا يطاق . وإضافة " سيل " إليه من إضافة الموصوف إلى الصفة مع التجريد . أي أرسلنا عليهم السيل الذي لا يطاق . وقيل : العرم جمع لا واحد له ، أو واحده عرمة .

وهو الأحباس والسدود تبنى في أوساط الأودية لحجز السيول . وكانت السيول تأتي المدينة من الأودية ، فبني سد عظيم لحجزها وللانتفاع بها في ري أراضيها على الدوام ، فأخصبت ونمت الزروع وكثرت الأموال ؛ فبطروا معيشتهم وأعرضوا وأهملوا – لشدة ترفهم – إصلاحه فتصدع بناؤه ، ولم يقو على مقامة السيل بعد . فلما جاء اجتاح أراضيهم واكتسح أموالهم ، ومزقهم شر ممزق ؛ فتشتتوا في البلاد . وضرب بهم المثل ، فقيل : ذهبوا أيدي سبا ، وتفرقوا أيادي سبا . واليد : الطريق ؛ أي فرقتهم طرقهم التي سلكوها كما تفرق أهل سبأ في مذاهب شتى . فلحق كل فرع بجهة ، ومنهم غسان لحق بالشام ، والأوس والخزرج بيثرب ، والأزد بعمان ، وخزاعة بتهامة ، وآل خزيمة بالعراق . { أكل } ثمر{ خمط } بدل منه ، وهو ثمر الأراك . أو هو نبت مر لا يمكن أكله ؛ أي ثمر نبت مر . { وأثل } هو ضرب من الطرفاء ، أو هو السمر ، وهو نوع من العضاه مفرده سمرة . { سدر } هو الضال ، وهو نوع

من السدر لا ينتفع به ولا يصلح ورقه للعسول ، وله ثمرة عفصة لا تؤكل . أي أن ثمار أراضيهم التي كانت طيبة نافعة أصبحت بعد التبديل على العكس من ذلك ؛ جزاء إعراضهم بطرا وكفرا .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَأَعۡرَضُواْ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سَيۡلَ ٱلۡعَرِمِ وَبَدَّلۡنَٰهُم بِجَنَّتَيۡهِمۡ جَنَّتَيۡنِ ذَوَاتَيۡ أُكُلٍ خَمۡطٖ وَأَثۡلٖ وَشَيۡءٖ مِّن سِدۡرٖ قَلِيلٖ} (16)

قوله : { فأعرضوا } عن شكر الله ؛ إذ جحدوا نعمته وكذبوا رسله وهذا أشد الكفران { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ } أي السيل العرم . وذلك من باب إضافة الموصوف لصفته في الأصل ؛ إذ الأصل العرم . و { العرم } معناه الشديد ، من العرامة وهي الشراسة والصعوبة . وعرم فلان فهو عارم وعرم . وقيل : العرم اسم للوادي الذي كان فيه الماء نفسه . وقيل : أرسلنا عليهم سيل المطر العرم أي الشديد{[3801]} فكثر الماء وملأ ما بين الجبلين وحمل الجنات وكثيرا من الناس ممن لم يمكنه الفرار . وهؤلاء هم الذين ضربت بهم العرب في المثل للفرقة فقالوا : تفرقوا أيدي سبأ .

قوله : { وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ } أي أذهبنا جنيتهم لمذكورتين بالسيل الشديد الجارف وآتيناهم بدلهما جنتين ذواتي { أُكُلٍ خَمْطٍ } الأكل : الثمر . والخمط : الحامض أو المرّ من كل شيء . وكل نبت أخذ طعاما من مرارة . والحمل القليل من كل شجر . وشجر كالسِّدر . وشجر قاتل . أو كل شجر لا شوك له . وثمر الأبرار{[3802]}

قوله : { وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ } أثلٍ معطوف على أُكل . والأثل شجر يشبه الطرفاء أو هو الطرفاء . وأما السدر فهو شجر النبق .


[3801]:الدر المصون ج 9 ص 172
[3802]:القاموس المحيط ص 860