إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَأَعۡرَضُواْ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سَيۡلَ ٱلۡعَرِمِ وَبَدَّلۡنَٰهُم بِجَنَّتَيۡهِمۡ جَنَّتَيۡنِ ذَوَاتَيۡ أُكُلٍ خَمۡطٖ وَأَثۡلٖ وَشَيۡءٖ مِّن سِدۡرٖ قَلِيلٖ} (16)

{ فَأَعْرِضُواْ } عن الشُّكر بعد إبانة الآيات الدَّاعيةِ لهم إليه قيل : أرسل الله إليهم ثلاثةَ عشرَ نبَّياً فدَعوهم إلى الله تعالى وذكَّروهم بنعمه وأنذروهم عقابه فكذَّبوهم .

{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العرم } أي سيلَ الأمر العرم أي الصَّعبِ من عَرِمَ الرَّجلُ فهو عارمٌ وعَرِمٌ إذا شرس خلقُه وصعب أو المطر الشَّديدُ وقيل : العرم جمعُ عُرمةٍ وهي الحجارة المركومة وقيل : هو السكر الذي يحبس الماء وقيل : هو اسمٌ للبناءِ يُجعلُ سدَّاً وقيل هو البناء الرَّصينُ الذي بنته الملكةُ بلقيسُ بين الجبلينِ بالصَّخرِ والقارِ وحقنت به ماء العُيون والأمطار وتركت فيه خُرُوقاً على ما يحتاجون إليه في سقيهم . وقيل العرمُ الجُرَذُ الذي نَقَبَ عليهم ذلك السدَّ وهو الفأرُ الأعمى الذي يقال له الخُلْدُ سلَّطه الله تعالى على سدِّهم فنقَبه فغرَّق بلادَهم ، وقيل : العَرِمُ اسم الوادي . وقرئ العَرْم بسكون الرَّاءِ قالوا كان ذلك في الفترة التي كانت بين عيسى والنَّبيِّ عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ { وبدلناهم بجناتهم } أي أذهبنا جنَّتيهم وآتيناهم بدلهما { جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ } أي ثمرٍ بشعٍ فإنَّ الخَمْطَ كل نبت أخذ طعماً من مرارة حتَّى لا يمكن أكلُه وقيل : هو الحامضُ والمرُّ من كلِّ شيء .

وقيل : هو ثمرةُ شجرةٍ يقال لها فَسْوةُ الضبع على صورة الخَشْخَاشِ لا يُنتفع بها . وقيل هو الأَرَاكُ أو كلُّ شجرٍ ذي شوكٍ . والتَّقديرُ أُكُلٍ أُكُلِ خمطٍ فحُذف المضافُ وأقيم المضافُ إليه مقامَه . وقرئ أُكْلِ خمطٍ بالإضافة بتخفيفِ أكل . { وَأَثْلٍ وَشَيء مّن سِدْرٍ قَلِيلٍ } معطوفان على أُكلٍ لا على خَمْطٍ فإن الأَثْلَ هو الطَّرفاءُ وقيل شجرٌ يُشبهه أعظم منه لا ثمرَ له وقرئ وأَثْلاً وشيئاً عطفاً على جنَّتين . قيل : وصف السِّدْرُ بالقلَّةِ لما أنَّ جناهُ وهو النَّبقُ مَّما يطيبُ أكلُه ولذلك يغرس في البساتينِ والصَّحيح أنَّ السِّدْرِ صنفانِ صنفٌ يُؤكلُ من ثمره ويُنتفع بورقه لغسلِ اليد وصنف له ثمرة عَفْصةٌ لا تُؤكل أصلاً ولا يُنتفع بورقهِ وهو الضَّالُ والمرادُ ههنا هو الثَّاني حتماً . وقال قَتادةُ : كان شجرُهم خيرَ الشَّجرِ فصيَّرُه الله تعالى من شرِّ الشَّجرِ بأعمالِهم . وتسميةُ البدلِ جنَّتين للمشاكلةِ والتَّهكُّمِ .