الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَأَعۡرَضُواْ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سَيۡلَ ٱلۡعَرِمِ وَبَدَّلۡنَٰهُم بِجَنَّتَيۡهِمۡ جَنَّتَيۡنِ ذَوَاتَيۡ أُكُلٍ خَمۡطٖ وَأَثۡلٖ وَشَيۡءٖ مِّن سِدۡرٖ قَلِيلٖ} (16)

15

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : كان أهل سبأ أعطوا ما لم يعطه أحد من أهل زمانهم ، فكانت المرأة تخرج على رأسها المكتل فتريد حاجتها ، فلا تبلغ مكانها الذي تريد حتى يمتلئ مِكْتَلُهَا من أنواع الفاكهة ، فأجمعوا ذلك فكذبوا رسلهم ، وقد كان السيل يأتيهم من مسيرة عشرة أيام حتى يستقر في واديهم ، فيجمع الماء من تلك السيول والجبال في ذلك الوادي ، وكانوا قد حفروه بمسناة - وهم يسمون المسناة العرم - وكانوا يفتحون إذا شاءوا من ذلك الماء ، فيسقون جنانهم إذا شاءوا ، فلما غضب الله عليهم ، وأذن في هلاكهم ، دخل رجل إلى جنته - وهو عمرو بن عامر فيما بلغنا ، وكان كاهناً - فنظر إلى جرذة تنقل أولادها من بطن الوادي إلى أعلى الجبل فقال : ما نقلت هذه أولادها من ههنا إلا وقد حضر أهل هذه البلاد عذاب ، ويقدر أنها خرقت ذلك العرم ، فنقبت نقباً ، فسال ذلك النقب ماء إلى جنته ، فأمر عمرو بن عامر بذلك النقب فسد ، فأصبح وقد انفجر بأعظم ما كان ، فأمر به أيضاً فسد ، ثم انفجر بأعظم ما كان ، فلما رأى ذلك دعا ابن أخيه فقال : إذا أنا جلست العشية في نادي قومي فائتني فقل : علام تحبس علي مالي ؟ فإني سأقول ليس لك عندي مال ، ولا ترك أبوك شيئاً ، وإنك لكاذب . فإذا أنا كذبتك فكذبني وأردد عليّ مثل ما قلت لك ، فإذا فعلت ذلك فإني سأشتمك ، فاشتمني . فإذا أنت شتمتني لطمتك ، فإذا أنا لطمتك فقم فالطمني . قال : ما كنت لاستقبلك بذلك يا عم ! قال : بلى . فافعل فإني أريد بها صلاحك ، وصلاح أهل بيتك فقال الفتى : نعم . حيث عرف هوى عمه ، فجاء فقال ما أمر به حتى لطمه ، فتناوله الفتى فلطمه فقال الشيخ : يا معشر بني فلان الطم فيكم ؟ لأسكنت في بلد لطمني فيه فلان أبداً ، من يبتاع مني . فلما عرف القوم منه الجد أعطوه ، فنظر إلى أفضلهم عطية ، فأوجب له البيع ، فدعا بالمال ، فنقده وتحمل هو وبنوه من ليلته ، فتفرقوا .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه قال : كان في سبأ كهنة ، وكانت الشياطين يسترقون السمع ، فأخبروا الكهنة بشيء من أخبار السماء ، وكان فيهم رجل كاهن شريف كثير المال ، أنه أخبر أن زوال أمرهم قد دنا ، وأن العذاب قد أظلهم ، فلم يدر كيف يصنع لأنه كان له مال كثير من عقر ، فقال لرجل من بنيه وهو أعزهم أخوالاً : إذا كان غداً وأمرتك بأمر فلا تفعله ، فإذا نهرتك فانتهرني ، فإذا تناولتك فالطمني ، قال : يا أبت لا تفعل إن هذا أمر عظيم وأمر شديد قال : يا بني قد حدث أمر لا بد منه ، فلم يزل حتى هيأه على ذلك ، فلما أصبحوا ، واجتمع الناس قال : يا بني افعل كذا وكذا . . . فأبى ، فانتهره أبوه ، فأجابه ، فلم يزل ذلك بينهما حتى تناوله أبوه ، فوثب على أبيه فلطمه ، فقال : ابني يلطمني عليَّ بالشفرة قالوا : وما تصنع بالشفرة ؟ قال : اذبحه قالوا : تذبح ابنك الطمه واصنع ما بدا لك ، فأبى إلا أن يذبحه ، فأرسلوا إلى أخواله فأعلموهم بذلك ، فجاء أخواله فقالوا : خذ منا ما بدا لك ، فأبى إلا أن يذبحه قالوا : فلتموتن قبل أن تدعوه قال : فإذا كان الحديث هكذا فإني لا أريد أن أقيم ببلد يحال بيني وبين ابني فيه ، اشتروا مني دوري ، اشتروا مني أرضي ، فلم يزل حتى باع دوره ، وأرضه ، وعقاره .

فلما صار الثمن في يده وأحرزه قال : أي قوم أن العذاب قد أظلكم ، وزوال أمركم قد دنا ، فمن أراد منكم داراً جديداً ، وجملاً شديداً ، وسفراً فليلحق بعمان ومن أراد منكم الخمر ، والخمير ، والعصير ، فليلحق ببصرى . ومن أراد منكم الراسخات في الوحل ، المطعمات في المحل ، المقيمات في الضحل ، فليلحق بيثرب ذات نخل ، فأطاعه قوم ، فخرج أهل عمان إلى عمان ، وخرجت غسان إلى بصرى ، وخرجت الأوس ، والخزرج ، وبنو كعب بن عمرو ، إلى يثرب ، فلما كانوا ببطن نخل قال بنو كعب : هذا مكان صالح لا نبتغي به بدلاً فأقاموا ، فذلك سموا خزاعة لأنهم انخزعوا عن أصحابهم ، وأقبلت الأوس والخزرج حتى نزلوا بيثرب .

وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { لقد كان لسبإ . . . } . قال : كان لهم مجلس مشيد بالمرمر ، فأتاهم ناس من النصارى فقالوا : أشكروا الله الذي أعطاكم هذا قالوا : ومن أعطاناه ؟ إنما كان لآبائنا فورثناه ، فسمع ذلك ذو يزن فعرف أنه سيكون لكلمتهم تلك خبر فقال لابنه : كلامك علي حرام إن لم تأت غداً وأنا في مجلس قومي فتصك وجهي ، ففعل ذلك فقال : لا أقيم بأرض فعل هذا ابني بي فيها ، إلا من يبتاع مني مالي ، فابتدره الناس ، فابتاعوه فبعث الله جرذاً أعمى يقال له الخلد من جرذان عمى ، فلم يزل يحفر السد حتى خرقه فانهدم وذهب الماء بالجنتين .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : لقد بعث الله إلى سبأ ثلاثة عشر نبياً فكذبوهم ، وكان لهم سد كانوا قد بنوه بنياناً أبداً وهو الذي كان يرد عنهم السيل إذا جاء أن يغشى أموالهم ، وكان فيما يزعمون في علمهم من كهانتهم أنه إنما يخرب سدهم ذلك فارة ، فلم يتركوا فرجة بين حجرين إلا ربطوا عندها هرة ، فلما جاء زمانه وما أراد الله بهم من التفريق ، أقبلت فيما يذكرون فأرة حمراء إلى هرة من تلك الهرر ، فساورتها حتى استأخرت عنها الهرة ، فدخلت في الفرجة التي كانت عندها ، فتغلغلت بالسد ، فحفرت فيه حتى رققته للسيل وهم لا يدرون ، فلما أن جاء السيل وجد عللاً ، فدخل فيه حتى قلع السد وفاض على الأموال فاحتملها ، فلم يبق منها إلا ما ذكر عن الله تبارك وتعالى .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه في الآية قال : كانت أودية اليمن تسيل إلى وادي سبأ ، وهو واد بين جبلين ، فعمد أهل سبأ فسدوا ما بين الجبلين بالقير والحجارة ، وتركوا ما شاءوا لجناتهم ، فعاشوا بذلك زماناً من الدهر ، ثم إنهم عتوا وعملوا بالمعاصي ، فبعث الله على ذلك السد جرذاً فنقبه عليهم ، فعرض الله مساكنهم وجناتهم ، وبدلهم بمكان جنتيهم جنتين خمط والخمط الأراك { وأثل } الأثل القصير من الشجر الذي يصنعون منه الأقداح .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { سيل العرم } قال : الشديد .

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمرو بن شرحبيل رضي الله عنه { سيل العرم } قال : المنساة بلحن اليمن .

وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { سيل العرم } قال : { العرم } بالحبشة وهي المنساة التي يجتمع فيها الماء ثم ينشف .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه قال { العرم } اسم الوادي .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما { سيل العرم } قال : وادٍ كان باليمن كان يسيل إلى مكة .

وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه قال : وادي سبأ يدعى { العرم } .

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { سيل العرم } السد ماء أحمر أرسله الله في السد ، فشقه وهدمه ، وحفر الوادي عن الجنتين ، فارتفعا وغار عنهما الماء ، فيبستا ولم يكن الماء الأحمر من السد ، كان شيئاً أرسله الله عليهم . وفي قوله { أكل خمط } قال : الخمط الأراك .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أرسله الله عليهم . وفي قوله { أكل خمط } قال : ( الخمط ) الأراك .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { أكل خمط } قال : الأراك { وأثل } قال : الطرفاء .

وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { أكل خمط } قال : الأراك قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم . أما سمعت الشاعر يقول :

ما معول فود تراعى بعينها *** أغن غضيض الطرف من خلل الخمط

وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن شرحبيل رضي الله عنه في قوله { وأثل } قال ( الأثل ) شجر لا يأكلها شيء وإنما هي حطب .

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال { الخمط } الأراك و ( الأثل ) النضار و { السدر } النبق .

16