النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَأَعۡرَضُواْ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سَيۡلَ ٱلۡعَرِمِ وَبَدَّلۡنَٰهُم بِجَنَّتَيۡهِمۡ جَنَّتَيۡنِ ذَوَاتَيۡ أُكُلٍ خَمۡطٖ وَأَثۡلٖ وَشَيۡءٖ مِّن سِدۡرٖ قَلِيلٖ} (16)

قوله عز وجل { فأعرضوا } يعني عن أمره وإتباع رسله .

{ فأرسلنا عليهم سيل العرم } فيه خمسة أقاويل :

أحدها : أن العرم المطر الشديد ، قاله ابن عباس .

الثاني : أن العرم هو المسنا{[2256]} بالحبشية ، قاله مجاهد . وقال الأخفش : بل هو عربي وأنشد قول الأعشى :

وفي ذاك للمؤتسي أسوة ومأرب عفى عليه العرم

رخام بنته لهم حمير إذا جاء موّاره لم يرم{[2257]}

الثالث : أنه اسم الوادي ، وكان هذا الوادي يجتمع فيه سيول من أودية شتى فسدّه القوم بين جبلين بالحجارة والقار ، وجعلوا له أبوابا يأخذون منه ما شاؤوا ، فلما تركوا أمر الله بعث عليهم جرذا يقال له الخلد فخرقه ، فأغرق الله تعالى بساتينهم وأفسد به أرضهم ، قاله قتادة .

الرابع : أن العرم ماء أحمر أرسله الله عز وجل في السد فشقه وهدمه ، قاله مجاهد وابن نجيح .

الخامس- أن العرم هو الجرذ الذي نقب السد ؛ حكاه ابن عيسى .

وحكى عن ابن عباس قال : كان سيل العرم في ملك ذي الأذعار بن ذي حسان .

{ وبدّلناهم بجنّتيهم جنّتين } لم يكن ما بدلوا به من جنّتيهم جنتين وإنما سماهما بذلك على وجه المقابلة كما قال تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه } وليس الثاني اعتداء وإنما سماه بالاعتداء . قال قتادة بينا شجر القوم من خير الشجر إذ صيره الله تعالى من شر الشجر عقوبة بأعمالهم . قال تعالى : { ذلك جزيناهم بما كفروا } . الآية .

{ ذواتي أكل خمط وأثل } أما الأكل ففي قولان

أحدهما : أنه البرير ثمر الخمط ، قاله قتادة .

الثاني : أنه اسم كل شجر ، قاله يحيي بن سلام .

وفي الخمط ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه الأراك ، قاله ابن عباس والخليل .

الثاني : أنه كل شجر ذي شوك ، قاله أبو عبيدة .

الثالث : أنه كل نبت فيه مرارة لا يمكن أكله ، قاله الزجاج .

وفي الأثل أربعة أقاويل :

أحدها : أنه الطرفاء ، قاله ابن عباس . وقال قتادة يشبه الطرفاء رأيته بفيد .

الثاني : أنه النضار ، قاله السدى .

الثالث : أنها شجرة حطب لا يأكلها شيء ، قاله عمرو بن شرحبيل . الرابع : أنها السّمر ، حكاه ابن عيسى .

{ وشيء من سدر قليل } والسدر النبق .


[2256]:في ك المسناة.
[2257]:البيت الثاني سقط من ك وقد أورد ابن هشام في السيرة هذين البيتين مع أبيات أخرى انظر المسيرة 1/ 14.