فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَأَعۡرَضُواْ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سَيۡلَ ٱلۡعَرِمِ وَبَدَّلۡنَٰهُم بِجَنَّتَيۡهِمۡ جَنَّتَيۡنِ ذَوَاتَيۡ أُكُلٍ خَمۡطٖ وَأَثۡلٖ وَشَيۡءٖ مِّن سِدۡرٖ قَلِيلٖ} (16)

ثم ذكر سبحانه ما كان منهم بعد هذه النعمة التي أنعم بها عليهم ، فقال : { فَأَعْرِضُواْ } عن الشكر ، وكفروا بالله ، وكذبوا أنبياءهم قال السدّي : بعث الله إلى أهل سبأ ثلاثة عشر نبياً فكذبوهم ، وكذا قال وهب . ثم لما وقع منهم الإعراض عن شكر النعمة أرسل الله عليهم نقمة سلب بها ما أنعم به عليهم ، فقال : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العرم } ، وذلك أن الماء كان يأتي أرض سبأ من أودية اليمن ، فردموا ردماً بين جبلين ، وحبسوا الماء . وجعلوا في ذلك الردم ثلاثة أبواب بعضها فوق بعض ، وكانوا يسقون من الباب الأعلى ، ثم من الباب الثاني ، ثم من الثالث ، فأخصبوا وكثرت أموالهم ، فلما كذبوا رسلهم بعث الله جرذاً ، ففتقت ذلك الردم حتى انتقض ، فدخل الماء جنتهم فغرقها ، ودفن السيل بيوتهم ، فهذا هو سيل العرم ، وهو جمع عرمة : وهي السكر التي تحبس الماء ، وكذا قال قتادة ، وغيره . وقال السدّي : العرم اسم للسدّ . والمعنى : أرسلنا عليهم سيل السدّ العرم . وقال عطاء : العرم اسم الوادي . وقال الزجاج : العرم اسم الجرذ الذي نقب السدّ عليهم ، وهو الذي يقال له : الخلد : فنسب السيل إليه لكونه سبب جريانه . قال ابن الأعرابي : العرم من أسماء الفأر . وقال مجاهد ، وابن أبي نجيح : العرم ماء أحمر أرسله الله في السدّ ، فشقه ، وهدمه . وقيل : إن العرم اسم المطر الشديد . وقيل : اسم للسيل الشديد ، والعرامة في الأصل : الشدّة ، والشراسة ، والصعوبة . يقال : عرم فلان : إذا تشدّد ، وتصعب ، وروي عن ابن الأعرابي أنه قال : العرم السيل الذي لا يطاق . وقال المبرّد : العرم كل شيء حاجز بين شيئين .

{ وبدلناهم بجناتهم جَنَّتَيْنِ } أي أهلكنا جنتيهم اللتين كانتا مشتملتين على تلك الفواكه الطيبة ، والأنواع الحسنة ، وأعطيناهم بدلهما جنتين لا خير فيهما ، ولا فائدة لهم فيما هو نابت فيهما ، ولهذا قال : { ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ } قرأ الجمهور بتنوين : { أكل } ، وعدم إضافته إلى { خمط } ، وقرأ أبو عمرو بالإضافة . قال الخليل : الخمط الأراك ، وكذا قال كثير من المفسرين .

وقال أبو عبيدة : الخمط كل شجرة مرّة ذات شوك . وقال الزجاج : كل نبت فيه مرارة لا يمكن أكله . وقال المبرّد : كل شيء تغير إلى ما لا يشتهى يقال له : خمط ، ومنه اللبن إذا تغير ، وقراءة الجمهور أولى من قراءة أبي عمرو . والخمط نعت لأكل أو بدل منه ، لأن الأكل هو : الخمط بعينه . وقال الأخفش : الإضافة أحسن في كلام العرب : مثل ثوب خزّ ، ودار آجرّ ، والأولى تفسير الخمط بما ذكره الخليل ومن معه . قال الجوهري : الخمط ضرب من الأراك له حمل يؤكل ، وتسمية البدل جنتين للمشاكلة ، أو التهكم بهم ، والأثل هو : الشجر المعروف الشبيه بالطرفاء كذا قال الفراء وغيره قال : إلاّ أنه أعظم من الطرفاء طولاً ، الواحدة أثلة ، والجمع أثلاث . وقال الحسن : الأثل الخشب . وقال أبو عبيدة : هو شجر النطار ، والأوّل أولى ، ولا ثمر للأثل . والسدر شجر معروف . قال الفراء : هو : السمر . قال الأزهري : السدر من الشجر سدران : بريّ لا ينتفع به ، ولا يصلح للغسول ، وله ثمر عفص لا يؤكل ، وهو الذي يسمى الضال . والثاني سدر ينبت على الماء ، وثمره النبق ، وورقه غسول يشبه شجر العناب ، قيل : ووصف السدر بالقلة لأن منه نوعاً يطيب أكله ، وهو النوع الثاني الذي ذكره الأزهري . قال قتادة : بينما شجرهم من خير شجر إذ صيره الله من شرّ الشجر بأعمالهم ، فأهلك أشجارهم المثمرة ، وأنبت بدلها الأراك ، والطرفاء والسدر . ويحتمل أن يرجع قوله : { قَلِيلٌ } إلى جميع ما ذكر من الخمط والأثل والسدر .

/خ21