صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

مدنية ، وآياتها اثنتا عشر

بسم الله الرحمان الرحيم

وتسمى سورة النبي صلى الله عليه وسلم

{ لم تحرم ما أحل الله لك } روى في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زوجه زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا ، كان يحب الحلواء والعسل ؛ فتواصت عائشة وحفصة – لما وقع في نفسهما من الغيرة من ضرتهما – أن أيتهما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير ! أكلت مغافير ! [ هو صمغ حلو ينضجه شجر العرفط يؤخذ ثم ينضح بالماء فيشربن وله رائحة كريهة ] فدخل صلى الله عليه وسلم على حفصة فقالت له ذلك . فقال : ( لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ) . فقالت : جرست نحله العرفط – أي أكلت ورعت - ؛ فحرم العسل وقال : ( لن أعود . وقد حلفت فلا تخبري أحدا ) . فأخبرت عائشة بذلك كله ؛ فأطلعه الله تعالى على إفشائها القصة لعائشة . فأعلم حفصة ببعض الحديث الذي أفشته وقد استكتمها إياه ، ولم يخبرها بباقيه تكرما لما فيه من مزيد خجلتها ، والكريم لا يستقصي فظنت حفصة أن عائشة هي التي أخبرته بالقصة ؛ فقالت له صلى الله عيه وسلم : " من أنبأك هذا " ؟ فقال : " نبأني العليم الخبير " . وقد عاتب الله نبيه – رفقا به ، وتنويها بقدره ، وإجلالا لمنصبه – أن يراعي مرضاة أزواجه بما يشق عليه . وذلك جريا على ما ألف من لطف الله به ، وشرع ولامته التحلل من اليمين بالكفارة رأفة ورحمة . وعاتب حفصة وعائشة إذ مالتا عن الواجب عليهما من مخالفته صلى الله عليه وسلم بحب ما يحبه ، وكراهة ما يكرهه ، إلى مخالفته وتدبيره ما عساه يشق عليه .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مدنية ، وهي اثنتا عشرة آية . وهي مبدوءة بالعتاب من الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حرّمه على نفسه من الحلال استرضاء لبعض زوجاته . وما ينبغي أن يحرّم النبي على نفسه الحلال ليرضين عنه .

ويأمر الله عباده المؤمنين أن يصونوا أنفسهم ومن يلون من الأهلين من العذاب الحارق في نار متسعرة متأججة وقودها الناس والحجارة فيتقون ربهم ويأتمرون بأوامره ويفعلون الخير لعلهم ينجون .

ويأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بمجاهدة الكافرين والمنافقين . فيجاهد الأولين الظالمين بالقتال ، ويجاهد الآخرين المخادعين بالحجة والمجادلة والبرهان . ثم يضرب الله لعباده مثلين من النساء . فمثل من النساء الكوافر ، زوجات لمؤمنين ، ومثل من النساء المؤمنات ، زوجات لكافرين .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ ياأيها النبي لم تحرّم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم 1 قد فرض الله لكم تحلّة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم 2 وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبّأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبّأها به قالت من أنبأك هذا قال نبّأني العليم الخبير 3 إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير 4 عسى ربه إن طلّقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا } .

في سبب نزول هذه الآيات روى ابن عباس عن عمر قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم ولده ، مارية القبطية في بيت حفصة ، فوجدته حفصة معها . فقالت : لم تدخلها بيتي ، ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هواني عليك . فقال لها : " لا تذكري هذا لعائشة ، وهي عليّ حرام إن قربتها " . قالت حفصة : وكيف تحرم عليك وهي جاريتك . فحلف لها لا يقربها وقال لها لا تذكريه لأحد . فذكرته لعائشة . فأبى أن يدخل على نسائه شهرا واعتزلهن تسعا وعشرين ليلة . فأنزل الله تبارك وتعالى : { لم تحرّم ما أحل الله لك } الآية{[4573]} .

وروى مسلم عن عائشة ( رضي الله عنها ) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا . قالت : فتواطأت أنا وحفصة أنّ أيّتنا ما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير . أكلت مغافير{[4574]} ؟ فدخل على إحداهما فقالت له ذلك . فقال : " بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له " فنزل { لم تحرّم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك } يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم معاتبا : لم تحرم على نفسك الحلال الذي أحله الله لك ، تلتمس بتحريمك ذلك مرضاة زوجاتك { والله غفور رحيم } الله يغفر الذنوب لعباده المؤمنين ، وقد غفر لك هذه الزلة وهي تحريمك على نفسك ما أحله الله لك . والله جل وعلا رحيم بعباده أن يعاقبهم بعد أن يتوبوا .


[4573]:أسباب النزول للنيسابوري ص 291.
[4574]:المغافير: جمع مغفار، وهو صمغ حلو يسيل من شجر العرفط يؤكل. انظر المعجم الوسيط جـ 2 ص 656.