{ أفمن يمشي مكبا على وجهه . . . . } المكب : الساقط على وجهه . يقال : كبه وأكبه ، قلبه وصرعه . وهو مثل ضربه الله للكافر والمؤمن ؛ أي أفمن يمشي وهو يعثر في كل ساعة ويخر على وجهه في كل خطوة ؛ لتوعر طريقه واختلافه بانخفاض وارتفاع ، أهدى وأرشد إلى المقصد الذي يؤمه ، أم من يمشي قائما سالما من الخليط والعثار على طريق مستو ، لا اعوجاج فيه ولا انحراف !
مكباً على وجهه : أصل المعنى أن يمشي المرء مطرقا بوجهه إلى الأرض . والمقصود : الذي يسير على غير هدى .
ثم ضرب الله مثلاً يبين به الفرق بين المشركين والموحدين فقال :
{ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً على وَجْهِهِ أهدى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } .
هل الذي يعيش في الضلال ويتخبط في الجهالة والكفر أهدى سبيلاً ، أم الذي آمنَ ويمشي على الطريق المستقيم سالماً من التخبط والجهل ؟ { مَثَلُ الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هَلْ يَسْتَوِيَانِ ؟ } [ هود : 24 ] .
فهذا المكبّ على وجهه هو المشرك ، والذي يمشي سويا هو الموحّد ، فهل يستويان ؟
{ 22 } { أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }
أي : أي الرجلين أهدى ؟ من كان تائها في الضلال ، غارقًا في الكفر قد انتكس قلبه ، فصار الحق عنده باطلًا ، والباطل حقًا ؟ ومن كان عالمًا بالحق ، مؤثرًا له ، عاملًا به ، يمشي على الصراط المستقيم في أقواله وأعماله وجميع أحواله ؟ فبمجرد النظر إلى حال هذين الرجلين ، يعلم الفرق بينهما ، والمهتدي من الضال منهما ، والأحوال أكبر شاهد من الأقوال .
ثم ضرب مثلا فقال : { أفمن يمشي مكباً على وجهه } راكباً رأسه في الضلالة والجهالة ، أعمى العين والقلب لا يبصر يميناً ولا شمالاً وهو الكافر . قال قتادة : راكبا على المعاصي في الدنيا فحشره الله على وجهه يوم القيامة ، { أهدى أمن يمشي سوياً } معتدلاً يبصر الطريق وهو ، { على صراط مستقيم } وهو المؤمن . قال قتادة : يمشي يوم القيامة سوياً .
قوله تعالى : " أفمن يمشي مكبا على وجهه " ضرب الله مثلا للمؤمن والكافر{[15200]} " مكبا " أي منكسا رأسه لا ينظر أمامه ولا يمينه ولا شماله ، فهو لا يأمن من العثور والانكباب على وجهه . كمن يمشي سويا معتدلا ، ناظرا ما بين يديه وعن يمينه وعن شماله . قال ابن عباس : هذا في الدنيا ، ويجوز أن يريد به الأعمى الذي لا يهتدي إلى الطريق فَيَعْتَسِف{[15201]} ، فلا يزال ينكب على وجهه . وأنه ليس كالرجل السوي الصحيح البصير ، الماشي في الطريق المهتدى له . وقال قتادة : هو الكافر أكب على معاصي الله في الدنيا ، فحشره الله يوم القيامة على وجهه . وقال ابن عباس والكلبي : عنى بالذي يمشي مكبا على وجهه أبا جهل ، وبالذي يمشي سويا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل أبو بكر ، وقيل حمزة ، وقيل عمار ابن ياسر ، قاله عكرمة . وقيل : هو عام في الكافر والمؤمن ، أي أن الكافر لا يدري أعلى حق هو أم على باطل . أي أهذا الكافر أهدى أو المسلم الذي يمشي سويا معتدلا يبصر الطريق وهو " على صراط مستقيم " وهو الإسلام . ويقال : أكب الرجل على وجهه ، فيما لا يتعدى بالألف . فإذا تعدى قيل : كبه الله لوجهه ، بغير ألف .
قوله : { أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم } . ذلك مثل ضربه الله للكافر والمؤمن . فالأول مكبّ على وجهه يمشي معتسفا في مكان مضطرب غير مستو ولا مستقيم ، فيه انخفاض وارتفاع . فما يمشي فيه ساعة حتى يعثر ويخرّ على وجهه ساقطا . وهذا نقيض الثاني الذي يمشي سويا ، أي قائما معتدلا سالما من التعثر والخرور ، أو السقوط على وجهه . فهو مستقيم في مشيه ، غير معتسف ولا مضطرب ولا متعثر . أو أنه يراد بالأول ، الأعمى الذي لا يهتدي إلى الطريق ، فهو بذلك يعتسف في مشيه ويتخبط وينكب على وجهه ساقطا . وهو ليس كالثاني السوي البصير ، الذي يمشي في طريقه ضالا هائما متلجلجا .
وتلك هي حال الكافرين في كل زمان . فإنهم ضالون يساقون في حياتهم الدنيا إلى ما تسوّله الأهوال والشهوات . فما يطغى على أنفسهم وطبائعهم إلا الأثرة والطمع والغريزة . أولئك هم الضالون من الناس الذين تسوقهم الشياطين إلى الضلال والمفاسد والشرور وظلم الإنسان للإنسان ، أما المؤمنون الصادقون الذين يستضيئون بنور العقيدة الربانية السمحة ، ويستظلون بظل الإسلام الرخيّ الحاني ، لا جرم أنهم في حياتهم آمنون سالمون أسوياء ، غير مضطربين ولا متعثرين ولا مذعورين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.