إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَفَمَن يَمۡشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجۡهِهِۦٓ أَهۡدَىٰٓ أَمَّن يَمۡشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (22)

وقولُه تعالَى : { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً على وَجْهِهِ أهدى } الخ مثلٌ ضُرِبَ للمشركِ والموحدِ توضيحاً لحالهِما ، وتحقيقاً لشأنِ مذهبيهما ، والفاءُ لترتيبِ ذلكَ على ما ظهرَ من سوءِ حالِهِم وخرورِهِم{[792]} في مهاوِي الغرورِ ، وركوبِهِم متنَ عشواءِ العتوِّ والنفورِ ، وعدمِ اهتدائِهِم في مسلكِ المُحاجَّةِ إلى جهةٍ يتوهمُ فيها رشدٌ في الجملةِ ، فإنَّ تقدمَ الهمزةِ عليها صورةً ، إنَّما هُو لاقتضائِهَا الصدارةَ ، وأما بحسبِ المعنى فالأمرُ بالعكسِ ، كَمَا هو المشهورُ حتَّى لو كانَ مكانُ الهمزةِ هلْ لقيلَ فهَلْ مَنْ يمشِي مُكباً الخ . والمُكِبُّ الساقطُ على وجهِهِ ، يقالُ أكبَّ خرَّ على وجهِهِ ، وحقيقتُهُ صارَ ذا كبَ ودخلَ في الكبِّ ، كأقشعَ الغمامُ أي صارَ ذا قشعٍ . والمَعْنَى أفمنْ يمشِي وهو يعثرُ في كلِّ ساعةٍ ويخرُّ على وجهِهِ في كلِّ خُطوةٍ لتوعرِ طريقِه واختلالِ قُواه ، أهدَى إلى المقصدِ الذي يؤمُّه . { أَم منْ يَمْشِي سَوِيّاً } أي قائماً سالماً من الخبطِ والعثارِ { على صراط مُسْتَقِيمٍ } مستوِي الأجزاءِ لا عوجَ فيهِ ولا انحرافَ ، قيلَ خبر من الثانيةِ محذوفٌ لدلالةِ خبرِ الأُولَى عليهِ ، ولا حاجةَ إلى ذلكَ ، فإنَّ الثانيةَ معطوفةٌ على الأُولى عطفَ المفردِ ، كقولِكَ أزيدٌ أفضلُ أم عمروٌ ، وقيل أُريدَ بالمكبِّ الأَعْمَى وبالسويِّ البصيرُ ، وقيلَ من يمشِي مُكباً هو الذي يُحشرُ على وجهِهِ إلى النَّارِ ، ومَنْ يمشِي سوياً الذي يُحشرُ على قدميهِ إلى الجنَّةِ .


[792]:خرورهم في مهاوي الغرور: سقوطهم.