فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَفَمَن يَمۡشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجۡهِهِۦٓ أَهۡدَىٰٓ أَمَّن يَمۡشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (22)

{ أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ( 22 ) }

{ أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى } مثل ضرب للمشرك والموحد ، توضيحا لحالهما وتحقيقا لشأن مذهبهما ، والفاء لترتيب ذلك على ما ظهر من سوء حالهم وخرورهم في مهاوي الغرور ، وركوبهم متن عشواء العتو والنفور ، وعدم اهتدائهم في مسلك المحاجة إلى جهة يتوهم فيها رشد في الجملة ، فإن تقدم الهمزة عليها صورة ، إنما هو لاقتضائها الصدارة ، وأما بحسب المعنى ، فالأمر بالعكس كما هو المشهور ، حتى لو كان مكان الهمزة هل ، لقيل : فهل من يمشي مكبا الخ .

والمكب والمنكب الساقط على وجهه ، يقال : كببته فأكب وانكب ، وقيل هو الذي يكب رأسه ، فلا ينظر يمينا ولا شمالا ولا أماما ، فهو لا يأمن العثور والانكباب على وجهه ، وقيل : أراد به الأعمى الذي لا يهتدي إلى الطريق ، فلا يزال مشيه ينكسه على وجهه ، والمكب اسم فاعل من أكب اللازم المطاوع لكبه ، يقال : كبه الله على وجهه في النار فأكب ، أي سقط .

وهذا على خلاف القاعدة من أن الهمزة إذا دخلت على اللازم تصيره متعديا ، وهنا قد دخلت على المتعدي فصيرته لازما . قال قتادة : هو الكافر يكب على معاصي الله سبحانه في الدنيا ، فيحشره الله يوم القيامة على وجهه ، والهمزة للاستفهام الإنكاري ، والمعنى هل هذا الذي يمشي على وجهه أهدى إلى المقصد الذي يريده .

{ أمَّن يمشي سويا } قائما معتدلا ناظرا إلى ما بين يديه ، سالما من الخبط والعثار { على صراط مستقيم } أي على طريق مستو ، لا اعوجاج به ولا انحراف فيه ، قال ابن عباس : مكبا في الضلالة ، وسويا مهتديا ، قيل يعني بالمكب أبا جهل ، وبالسوي النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل : أراد بمن يمشي مكبا من يحشر على وجهه إلى النار . ومن يمشي سويا من يحشر على قدميه إلى الجنة ، وهو كقول قتادة الذي ذكرناه ، ومثله قوله :

{ ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم } وخبر " من " محذوف لدلالة خبر " من " الأولى عليه وهو أهدى ، وقيل : لا حاجة إلى ذلك لأن " من " الثانية معطوف على " من " الأولى عطف المفرد على المفرد ، كقولك : أزيد قائم أم عمرو ، ووحد الخبر ، لأن أم لأحد الشيئين .