الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{أَفَمَن يَمۡشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجۡهِهِۦٓ أَهۡدَىٰٓ أَمَّن يَمۡشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (22)

وقوله سبحانه : { أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً على وَجْهِهِ } قال ابن عباس والضحاك ومجاهد : نزلَتْ مثَلاً للمؤمنينَ والكافرين ؛ على العمومِ ، وقال قتادةُ : نزلت مُخْبِرةً عن حال القِيَامَةِ ، وأنَّ الكفارَ يَمْشُونَ على وجوهِهم ، والمؤمنينَ يمشُون على استقامةٍ ، كما جاء في الحديث ، ويُقالُ : أكَبَّ الرجلُ إذا دَرَّ وَجْهَهُ إلَى الأَرْضِ ، وكَبَّه غَيْرُهُ ، قال عليه الصلاة والسلام : " وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ " فَهَذَا الفِعْلُ على خلافِ القَاعِدَة المعلومةِ ؛ لأَنَّ «أَفْعَلْ » هنا لا يتعدّى ، و«فَعَلَ » يَتَعَدَّى ، ونظيرُه قَشَعَتِ الرِّيحُ السَّحَابَ فانْقَشَعَ ، وقال ( ص ) : { مُكِبّاً } حالٌ ، وهو مِنْ أَكَبَّ غَيْرَ مُتَعَدٍّ ، وَكَبَّ متعدٍ ، قال تعالى : { فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ في النار } [ النمل : 90 ] والهَمْزَةُ فيه للدخولِ في الشيءِ ، أو للصيرورَةِ ، ومطاوع كَبَّ : انْكَبّ ، تَقُولُ كَبَبْتُه فانْكَبَّ ، قال بَعْضُ الناس : ولاَ شَيْءَ من بناءِ «أفْعَلَ » مطاوعاً ، انتهى . و{ أهدى } في هذه الآية أفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنَ الهُدَى .