الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرٗا فَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (106)

قوله : { من كفر بالله من بعد إيمانه } [ 106 ] إلى قوله : { الله لا يهدي القوم الكافرين } [ 107 ] .

هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر {[39882]} [ ووالده ياسر {[39883]} ] وأمه سمية {[39884]} وخباب {[39885]} بن الأرت {[39886]} ، وسلمة بن هشام {[39887]} ، والوليد بن الوليد {[39888]} ، وعياش بن أبي ربيعة والمقداد بن الأسود {[39889]} وقوم أسلموا ففتنهم المشركون عن دينهم فثبت على الإسلام بعضهم وافتتن بعضهم . فمن ابتداء { ولكن من شرح } [ 106 ] ابتداء [ أيضا {[39890]} ] ، وخبرهما {[39891]} { فعليهم } {[39892]} .

وقيل : { من كفر } في موضع [ رفع {[39893]} ] على / البدل من " الكاذبين " {[39894]} . وفيه بعد .

وقال ابن عباس وقتادة : نزلت في عمار بن ياسر {[39895]} ، قال قتادة : أخذه {[39896]} بنو المغيرة فغطوه في بئر ميمون ، وقالوا : أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فتابعهم {[39897]} على ذلك وقلبه كاره موقن بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله جاء بالحق من عنده ، فأنزل الله [ عز وجل {[39898]} ] { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } [ 106 ] {[39899]} .

وقوله : { ولكن من شرح بالكفر صدرا } [ 106 ] {[39900]} .

أي : من كفر على اختيار منه واستحباب { فعليهم غضب من الله } {[39901]} ، قال عكرمة نزلت الآية في قوم أسلموا بمكة ولم يمكنهم الخروج ، فلما كان يوم بدر أخرجهم {[39902]} المشركون {[39903]} فقتلوا وفيهم {[39904]} نزلت { إلا المستضعفين من الرجال والنساء } {[39905]} الآيتين .

[ وقيل إنهم كانوا بمكة لا يقدرون على الخروج فلما نزلت : { إلا المستضعفين من الرجال والنساء } {[39906]} الآيتين {[39907]} ] ، كتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى إخوانهم الذين بمكة يخبرونهم بما نزل فيهم فلما وصل إليهم الكتاب ، خرج ناس كانوا أقروا بالإسلام فطلبهم المشركون فأدركوهم فرجعوا وأعطوهم الفتنة ، قولا دون اعتقاد . فأنزل الله [ عز وجل {[39908]} ] فيهم : { ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله } {[39909]} ، وأنزل فيهم : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } [ 106 ] ، وأنزل فيهم : { إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنو } [ 110 ] الآية فسمع ذلك رجل من بني بكر كان مريضا ، فقال لأهله : أخرجوني إلى الروح ، يعني المدينة . فأخرجوه فمات قبل الليل ، فأنزل الله [ عز وجل {[39910]} ] : { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت } {[39911]} الآية {[39912]} .

قال مجاهد : أول من {[39913]} أظهر الإسلام سبعة : رسول الله [ صلى الله عليه وسلم {[39914]} ] ، وأبو بكر الصديق {[39915]} وبلال وخباب وصهيب ، وعمار ، وسمية أم عمار {[39916]} . فأما رسول الله عليه السلام فمنعه أبو طالب ، وأما أبو بكر فمنعه قومه ، وأخذ الآخرون فألبسوهم أدراع الحديد ، وصهروهم في الشمس ، فبلغ منهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ من حر الحديد والشمس ، فلما كان من العشاء أتاهم أبو جهل ومعه حربة ، فجعل يسبهم ويوبخهم ، ثم أتى سمية فطعن بالحربة في فرجها ، فقتها . فهي أول شهيد استشهد في الإسلام . قال : وقال الآخرون ما سألوهم ، إلا بلالا فإنه هانت عليه نفسه ، فجعلوا يعذبونه وهو يقول : أحد أحد ، حتى ملوه ، ثم كتفوه ، وجعلوا في عنقه حبلا من ليف ، ودفعوه إلى صبيانهم يلعبون به بين أخشبي {[39917]} مكة ، حتى ملوه فتركوه {[39918]} . فقال عمار : كلنا قد تكلم بالذي قالوا له ، فلولا أن الله تداركنا – غير بلال – فإنه هانت عليه نفسه في الله {[39919]} [ عز وجل {[39920]} ] فهان على قومه حتى تركوه ، وملوه ، فنزلت هذه الآية في هؤلاء {[39921]} .

قال ابن عباس : والله إن كانوا ليضربون أحدهم ويخنقونه {[39922]} ويعطشونه ويجوعونه/حتى [ ما {[39923]} ] يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضر الذي به حتى أنه ليعطيهم ما سألوا من الفتنة التي رمي بها ، وحتى يقولوا له : اللات والعزى إلهك من دون الله ؟ فيقول : نعم . وحتى أن الجعل {[39924]} ليمر بهم فيقولون : هذا الجعل إلهك من دون الله ؟ فيقول : نعم ، افتداء منهم لما يبلغون من جهده فنزلت فيهم : { من كفر بالله من بعد إيمانه } الآية .

و[ قيل {[39925]} ] معنى { من شرح بالكفر صدرا } ، أي : قبله {[39926]} وانفسح {[39927]} له صدره .


[39882]:هو عمار بن ياسر بن عامر الكناني المدحجي العنسي القحطاني أبو اليقظان: صحابي من الولاة الشجعان ذوي الرأي وأحد السابقين للإسلام ولد سنة 57 ق هـ وتوفي سنة 37 هـ. انظر: ترجمته في الحلية 1/139 وصفوة الصفوة 1/442، والإصابة رقم 5699، والأعلام 5/36.
[39883]:ساقط من ق، وياسر، هو ياسر بن عامر الكناني المدحجي العنسي أبو عمار يماني، انتقل إلى مكة وحالف أبا حذيفة وهو أحد السابقين للإسلام توفي سنة 7 هـ.
[39884]:هي سمية بنت خياط، صحابية من السابقات للإسلام قتلها أبو جهل فكانت أول شهيدة في الإسلام. انظر: ترجمتها في الإصابة رقم 582 والأعلام 3/141.
[39885]:ق: خياب.
[39886]:هو خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد التميمي، أبو حيي، أو أبو عبد الله، صحابي من السابقين للإسلام توفي سنة 37 هـ روى له البخاري ومسلم وغيرهما 32 حديثا. انظر: ترجمته في الحلية 1/143 وصفوة الصفوة 1/427 والإصابة 1486 والأعلام 2/301.
[39887]:هو سلمة بن هشام بن المغيرة المخزومي، أبو هاشم، صحابي، من السابقين وهو أخو أبي جهل، استشهد بمرج الصفر سنة 14 هـ. انظر ترجمته في الإصابة رقم 3396 والأعلام 3/114.
[39888]:هو الوليد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، من أشراف قريش في الجاهلية، وهو أخو خالد بن الوليد وكان من أسرى بدر، فأسلم بعد فديته، وتوفي بالمدينة نحو 7 هـ.انظر: ترجمته في طبقات ابن سعد 4/87 والإصابة رقم 9152 والاستيعاب 3/592 والأعلام 8/123.
[39889]:هو المقداد بن عمرو، ويعرف بابن الأسود الكندي اليهرائي الحضرمي أبو معبد أو أبو عمرو من السابقين للإسلام، تبناه الأسود بن عبد يغوث الزهري فصار يقال له المقداد بن الأسود إلى أن نزل {ادعوهم لآبائهم} وشهد بدرا وغيرها ولد حوالي سنة 37 ق.هـ وتوفي سنة 33 هـ. انظر: ترجمته في الحلية 1/172، صفوة الصفوة 1/423 والإصابة رقم 8178 والأعلام 7/282.
[39890]:ساقط من ق.
[39891]:ق: أخرجهما.
[39892]:وهو قول الأخمش في إعراب الآية، انظر: معاني الأخفمش 2/608. ومعاني الزجاج 3/219، ولا يجيزه والجامع 10/118.
[39893]:ساقط من ق.
[39894]:وهو قول الزجاج، انظر: معاني الزجاج 3/219.
[39895]:انظر: قولهما في جامع البيان 14/181 والدر 5/170.
[39896]:ق : أخذوه.
[39897]:أي: فبايعهم.
[39898]:ساقط من ق.
[39899]:انظر: قول قتادة في جامع البيان 14/181 والدر 5/171.
[39900]:انظر: قول قتادة في جامع البيان 14/181 والدر 5/171.
[39901]:انظر: المصدر السابق.
[39902]:ط: "وأخرجهم".
[39903]:ط : زاد: "معهم كرها".
[39904]:ط: "قال وفيهم".
[39905]:ط: زادك "والولدان". النساء: 98.
[39906]:ط زاد: "والولدان". النساء: 98.
[39907]:ساقط من ق.
[39908]:ساقط من ق.
[39909]:العنكبوت: 10.
[39910]:ساقط من ق.
[39911]:النساء: 100.
[39912]:روي هذا القول: مختصرا في تفسير مجاهد ص 426.
[39913]:ق: ما.
[39914]:ساقط من ق.
[39915]:ساقط من ط.
[39916]:ق: أم عامر.
[39917]:ق: أحشاء.
[39918]:ط: وتركوه.
[39919]:ق: بالله.
[39920]:ساقط من ق.
[39921]:انظر: قول مجاهد في أحكام ابن العربي 3/1080 والجامع 10/119.
[39922]:ق: يختنقونه.
[39923]:ساقط من ق.
[39924]:الجعل دابة سوداء قيل هو "أبو جعران". انظر: اللسان (جعل).
[39925]:ساقط من ط.
[39926]:ق: "أي قلبه صدرا أي قلبه ... ".
[39927]:ق: "أنفسه".