الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة البقرة مدنية

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أُعْطِيتُ البَقَرَةَ مِنَ الذِكْرِ الأَوَّلِ وأعْطِيْتُ( {[1]} ) طَهَ وَالطَّوَاسِينَ من أَلْوَاح مُوسى . وأعْطِيْتُ فَاتِحَةَ الكِتَابِ وَخَواتيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ ، وأُعْطِيْتُ المُفضَّلَ نَافِلَةً " ( {[2]} ) .

وروي عنه أنه قال : " تَجيءُ الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيايَتَانِ( {[3]} ) " . والغياية والغمامة واحد .

فبهذا الحديث وأمثاله ، استجاز الناس أن يقولوا : سورة البقرة وسورة كذا وسورة كذا( {[4]} ) .

وهذا إضافة لفظ ، لا إضافة ملك ، ولا إضافة نوع إلى جنسه ، وهو بمنزلة قولك( {[5]} ) . " باب الدار وسرج الدابة " ومثله قوله تعالى : ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ) ( {[6]} ) .

فأضاف القول إليه لأنه هو ينزل به ، وهو( {[7]} ) جبريل عليه السلام . وهذا من اتساع لغة العرب .

وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم( {[8]} ) قال : " لِكُلِّ شَيْءٍ( {[9]} ) سَنَامٌ ، وَسَنَامُ الْقرآنِ سُورةُ الْبَقَرَةِ ، فيهَا آية سَيِّدَةٌ آي القُرْآنِ/ لاَ تُقْرَأُ فِي بَيْتٍ فِيهِ شَيْطَانٌ إِلاَّ خَرَجَ( {[10]} ) مِنْهُ وهي آيَةُ الكُرْسِي( {[11]} ) " .

ومعنى سيدة آي القُرآن( {[12]} ) ، عظيمة آي القرآن . وكل آي القرآن عظيم جليل ، لا يفضل بعضه بعضاً لكن يعطي الله من الأجر والثواب على بعض ما لا يعطي على بعض ، يفعل ما يشاء .

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل رجلاً : " مَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ ؟ فَقالَ : سُورَةُ الْبَقَرَةِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : وأي الخَيْرِ أَبْقَتْ( {[13]} ) سُورَةُ البَقَرَةِ( {[14]} ) ؟ " .

وقال الحسن : قال رسول الله [ عليه السلام( {[15]} ) ] : أيُّ القُرْآنِ أَعْظَمُ ؟ قَالُوا : اللهُ ورَسُولُهُ أَعْلَمُ/ قَالَ : سُورَةُ البَقَرَةِ . قَالَ فَأَيُّهَا( {[16]} ) أعْظَمُ ؟ ، قَالُوا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قال : آيَةُ الْكُرْسِي( {[17]} ) " .

واختلف العلماء في معاني( {[472]} ) أوائل السور : فعن ابن عباس أقوال ، منها : أنه قال : " الَمّ ؛ أنا( {[473]} ) الله أعلم ، ألَرَ( {[474]} ) ؛ أنا الله أرى " ( {[475]} ) .

فالألف : يؤدي عن " أنا " ، واللام : يؤدي عن اسم الله . والميم : تؤدي عن " أعلم " ، والراء : يؤدي عن " أرى " .

وعنه [ أن ]( {[476]} ) أوائل السور مأخوذة من أسماء الله . فيقول في ( كهيعص )( {[477]} ) : " إن الكاف : من كاف ، والهاء : من هاد " .

وعنه أيضاً " أنها أقسام ، أقسم الله بها ، وهي من أسماء الله جل ذكره " ( {[478]} ) .

وقد قال بكل قول من هذه الأقوال جماعة من العلماء( {[479]} ) .

وروى عنه عطاء أنه قال في ( أَلَمّ ) : " الألف : الله ، والسلام : جبريل ، والميم : محمد صلى الله عليه وسلم( {[480]} ) " .

[ وكذلك( {[481]} ) ] روى الضحاك( {[482]} ) عنه .

وقال قتادة : " الَمَ ، اسم من أسماء القرآن( {[483]} ) " . وروي مثله عن مجاهد( {[484]} ) .

وعن مجاهد أيضاً أنه قال : " هي فواتح السور " ( {[485]} ) .

وقال أبو عبيدة والأخفش : " هي افتتاح كلام( {[486]} ) " .

وقال زيد بن أسلم( {[487]} ) : " هي أسماء السور " ( {[488]} ) .

وروى ابن( {[489]} ) جبير عن ابن عباس : " ( كهيعص )( {[490]} ) : كبير ، هاد ، عزيز ، صادق " .

وقال محمد بن كعب( {[491]} ) : ( حم عسق ) : الحاء والميم : من الرحمن ، والعين : من العليم ، والسين : من القدوس ، والقاف : من القهار " .

/وقال في ( اَلَمِّصَ ) : " الألف واللام : الله ، والصاد : من الصمد " .

وقال بعض أهل النظر : " هي( {[492]} ) تنبيه " ( {[493]} ) .

وقال قطرب في معناها : " كان المشركون ينفرون( {[494]} ) عند قراءة القرآن . فلما سمعوا " ( ألَمِّ ) و( اَلَمِّصَ ) وقفوا ليفهموا ما هو وأنصتوا ، فاتصلت تلاوة القرآن بها/ فسمعوه ، وثبتت عليهم الحجة ، وجحدوا بعد سماع ما هو حجة عليهم . وهذه حكمة بالغة من الله ، والله أعلم بذلك " ( {[495]} ) .

وعن قطرب أيضاً أنه( {[496]} ) قال : " هي حروف ذكرت لتدل على أن هذا القرآن مؤلف من هذه الحروف المقطعة " ( {[497]} ) .

وقال أبو العالية : " هي الحروف( {[498]} ) من التسعة وعشرين حرفاً دارت بها الألسن كلها ، ليس فيها( {[499]} ) حرف( {[500]} ) إلا وهو( {[501]} ) مفتاح اسم من أسمائه ، وليس منها حرف إلا وهو في آلائه( {[502]} ) ونعمائه ، وليس منها ( حرف( {[503]} ) ) إلا وهو في مدة أقوام وآجالهم . الألف : مفتاح اسمه : الله ، واللام مفتاح/ اسمه : لطيف ، والميم مفتاح اسمه : مجيد . الألف : آلاء الله ، واللام : لطفه ، والميم : مجده . الألف : سنة ، واللام : ثلاثون سنة ، والميم : أربعون سنة " ( {[504]} ) .

وقال جماعة( {[505]} ) : " هي مما لا يعلمه إلا الله ، ولله في [ كل كتاب ]( {[506]} ) سر ، وهذه الحروف سره في كتابه " .

وقيل( {[507]} ) : هي اسم الله الأعظم . رواه السدي( {[508]} ) عن ابن عباس .

ويروى أن اليهود لما سمعت/ ( أَلَمِّ )( {[509]} ) ، قالوا : " الألف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فهذه إحدى وسبعون سنة ، وهي مدة ملك محمد . أفتدخلون( {[510]} ) في دين ، إنما مدة ملكه إحدى وسبعون سنة( {[511]} ) . فلما سمعوا ( اَلَمِّصَ )( {[512]} ) قالوا : هذا أثقل( {[513]} ) وأطول ؛ الألف واحد( {[514]} ) ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون والصاد ستون فذلك إحدى وثلاثون ومائة سنة ، فلما سمعوا ( أَلَر )( {[515]} )( {[516]} ) ، و( ألَمِّر )( {[517]} ) و( حم عَسِقَ )( {[518]} )( {[519]} ) ، قالوا : قد لبس علينا الأمر ، فما ندري ما( {[520]} ) يقيم ملكه . فأنزل الله عز وجل : ( مِنْهُ ءَايَاتٌ( {[521]} ) مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ )( {[522]} )( {[523]} ) .

فهذا الذي اشتبه( {[524]} ) عليهم في هذا التأويل أو الله أعلم .

وهذه الحروف تسمى حروف المعجم ، وإنما سميت بذلك لأنها مبينة( {[525]} ) للكلام فاشتق لها هذا( {[526]} ) الاسم من قولهم : " أعْجَمْتُ الكِتَابَ " إذا بَيَّنْتَهُ .

وقيل : إنما اشتق لها هذا من قولهم : " عَجَمْتُ الْعُودَ " إذا عَضَضْتَهُ لِتَخْتَبِرَهُ( {[527]} ) .

فيكون " المعجم " من هذا أتى على توهم زيادة الهمزة ، كما أتى " لواقع " على توهم حذف الهمزة من " ألْقَحْتُ " ، وكان الأصل " ملاقح " . كذلك كان الأصل " المعجوم " ، إذا جعلته من " عَجَمْت " . وقد قالوا : / " مسعود " ، على تقدير حذف الهمزة من " أسعده الله " ، وقرئ( {[528]} ) : ( وَأَمَّا الذِينَ سَعِدُوا )( {[529]} ) –بضم السين- على ذلك التقدير . فكذلك( {[530]} ) المعجم من " عجمت " على تقدير حذف الهمزة من( {[531]} ) " أعجمت " ، فيكون معناه حروف الاختبار ، وهي موقوفة مبنية على السكون أبداً ، إلا أن تخبر عن شيء منها ، أو تعطف بعضها على بعض ، فتعربها ، تقول : " هذه جاء وياء " . وهي تؤنث وتذكر .


[1]:أ: إذ.
[2]:حكاه في المحرر 16/262.
[3]:أ: إذ.
[4]:أ: الاولى والثانية والثالثة.
[5]:ساقط من أ.
[6]:م: هذه الأشياء وسخرها.
[7]:م، ث: فكيف.
[8]:ساقط من أ.
[9]:أ: قال.
[10]:ساقط من أ.
[11]:في تنوير المقياس 509: "بقوتها وشدتها تقوم بحملها ولا يقوم غيرها".
[12]:أ: قال.
[13]:أ: للقطع.
[14]:انظر: المحرر 16/290.
[15]:- في ق: ح، ع3: تقضيت. وهو تصحيف.
[16]:- في ع2: تأليف. وهو تحريف.
[17]:- في ع2: ظهار. وهو تحريف.
[472]:- في ع1، ع2: معنى، وفي ق: معاً. وهو تحريف.
[473]:- في ع2: أن وهو تحريف.
[474]:- في ع1: الَم. وهو تحريف.
[475]:- انظر: جامع البيان 1/207، المحرر الوجيز 1/56، والدر المنثور 1/56.
[476]:- سقط من ع1، ع2، ق، ع3.
[477]:- مريم آية 1.
[478]:- انظر: جامع البيان 1/207 والمحرر 1/95، وتفسير القرطبي 1/156.
[479]:- انظرها: في جامع البيان 1/205-207، والدر المنثور 1/56-59.
[480]:- انظر: تفسير القرطبي 1/155.
[481]:- سقط من ع1، ع2، ق، ع3.
[482]:- هو أبو القاسم بن مزاحم، تابعي سمع من سعيد بن جبير وأخذ عنه (ت103هـ). انظر: طبقات ابن سعد 7/369، وطبقات ابن خياط 311، وطبقات القراء 1/337.
[483]:- انظر: جامع البيان 1/205 والدر المنثور 1/57.
[484]:- المصدر السابق.
[485]:- انظر: جامع البيان 1/205-206، والمحرر الوجيز 1/95.
[486]:- انظر: معاني الأخفش 1/21، ومجاز القرآن 1/28.
[487]:- هو أبو أسامة زيد بن أسلم العدوي، المدني، فقيه، مفسر كثير الحديث، (ت186هـ). انظر: طبقات ابن خياط 263. وتذكرة الحفاظ 1/132 وتقريب التهذيب 1/272.
[488]:- انظر: جامع البيان 1/206 وتفسير القرطبي 1/156 والدر المنثور 1/57.
[489]:- في ق: أن ابن. وفي ع3: بن.
[490]:- مريم آية 1.
[491]:- هو أبو حمزة محمد بن كعب القرظي الأنصاري، صحابي (ت117هـ). انظر: طبقات ابن خياط 264.
[492]:- سقط من ق.
[493]:- في ع1، ع2، في ق، ع3: تثبيت. انظر: هذا القول في المحرر الوجيز 1/96.
[494]:- في ق: يفرون.
[495]:- انظر: تفسير القرطبي 1/155.
[496]:- في ع3: أنَّها: وهو خطأ.
[497]:- انظر: المحرر الوجيز 1/95، وتفسير القرطبي 1/155.
[498]:- في ع1: الحرف.
[499]:- في ح: منها.
[500]:- في ع3: حروف.
[501]:- سقط حرف الواو من ق.
[502]:- في ق: الآية. وهو تصحيف.
[503]:- سقط من ع1، ع2.
[504]:- انظر: الدر المنثور 1/59.
[505]:- وهو قول أبي بكر الصديق والشعبي والثوري وجماعة من المحدثين في المحرر الوجيز 1/94.
[506]:- في ع3: كتابه.
[507]:- انظر: جامع البيان 1/206، وعزاه ابن عطية إلى علي بن أبي طالب. انظر: المحرر الوجيز 1/95.
[508]:- هو أبو بكر محمد إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير القرشي صاحب التفسير والمغازي والسير. روى عن ابن عباس وأنس وطائفة. رمي بالتشيع. انظر: طبقات المفسرين 1/109.
[509]:- البقرة آية 1.
[510]:- في ع3: فتدخلون. وهو خطأ.
[511]:- قوله: "وهي مدة" إلى "وسبعون سنة" ساقط من ق.
[512]:- الأعراف آية 1.
[513]:- في ح: أو.
[514]:- في ع3: وحد.
[515]:- يونس آية 1.
[516]:- في ع3: الَم.
[517]:- الرعد آية 1.
[518]:- الشورى آية 1.
[519]:- في ع2: وعَسَقَ.
[520]:- في ع2، ع3: ماذا.
[521]:- في ع1: آية.
[522]:- آل عمران آية 7.
[523]:- انظر: جامع البيان 1/216-218 والدر المنثور 1/57-58.
[524]:- هذا التوجيه من ح. وفي غيرها: "اشتبهوا". وهو خطأ.
[525]:- هذا التوجيه من ق. وفي غيرها: مبنية. وهو تصحيف.
[526]:- في ع1: هذه وهو خطأ.
[527]:- انظر: اللسان 1/697.
[528]:- وهي قراءة حمزة والكسائي وقراءة حفص عن عاصم. انظر: كتاب السبعة 339، والتبصرة 225، والكشف 1/536.
[529]:- هود آية 108.
[530]:- في ع2: فذلك، وهو تحريف.
[531]:- في ق: ومن.