روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أُعْطِيتُ البَقَرَةَ مِنَ الذِكْرِ الأَوَّلِ وأعْطِيْتُ( {[1]} ) طَهَ وَالطَّوَاسِينَ من أَلْوَاح مُوسى . وأعْطِيْتُ فَاتِحَةَ الكِتَابِ وَخَواتيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ ، وأُعْطِيْتُ المُفضَّلَ نَافِلَةً " ( {[2]} ) .
وروي عنه أنه قال : " تَجيءُ الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيايَتَانِ( {[3]} ) " . والغياية والغمامة واحد .
فبهذا الحديث وأمثاله ، استجاز الناس أن يقولوا : سورة البقرة وسورة كذا وسورة كذا( {[4]} ) .
وهذا إضافة لفظ ، لا إضافة ملك ، ولا إضافة نوع إلى جنسه ، وهو بمنزلة قولك( {[5]} ) . " باب الدار وسرج الدابة " ومثله قوله تعالى : ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ) ( {[6]} ) .
فأضاف القول إليه لأنه هو ينزل به ، وهو( {[7]} ) جبريل عليه السلام . وهذا من اتساع لغة العرب .
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم( {[8]} ) قال : " لِكُلِّ شَيْءٍ( {[9]} ) سَنَامٌ ، وَسَنَامُ الْقرآنِ سُورةُ الْبَقَرَةِ ، فيهَا آية سَيِّدَةٌ آي القُرْآنِ/ لاَ تُقْرَأُ فِي بَيْتٍ فِيهِ شَيْطَانٌ إِلاَّ خَرَجَ( {[10]} ) مِنْهُ وهي آيَةُ الكُرْسِي( {[11]} ) " .
ومعنى سيدة آي القُرآن( {[12]} ) ، عظيمة آي القرآن . وكل آي القرآن عظيم جليل ، لا يفضل بعضه بعضاً لكن يعطي الله من الأجر والثواب على بعض ما لا يعطي على بعض ، يفعل ما يشاء .
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل رجلاً : " مَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ ؟ فَقالَ : سُورَةُ الْبَقَرَةِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : وأي الخَيْرِ أَبْقَتْ( {[13]} ) سُورَةُ البَقَرَةِ( {[14]} ) ؟ " .
وقال الحسن : قال رسول الله [ عليه السلام( {[15]} ) ] : أيُّ القُرْآنِ أَعْظَمُ ؟ قَالُوا : اللهُ ورَسُولُهُ أَعْلَمُ/ قَالَ : سُورَةُ البَقَرَةِ . قَالَ فَأَيُّهَا( {[16]} ) أعْظَمُ ؟ ، قَالُوا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قال : آيَةُ الْكُرْسِي( {[17]} ) " .
واختلف العلماء في معاني( {[472]} ) أوائل السور : فعن ابن عباس أقوال ، منها : أنه قال : " الَمّ ؛ أنا( {[473]} ) الله أعلم ، ألَرَ( {[474]} ) ؛ أنا الله أرى " ( {[475]} ) .
فالألف : يؤدي عن " أنا " ، واللام : يؤدي عن اسم الله . والميم : تؤدي عن " أعلم " ، والراء : يؤدي عن " أرى " .
وعنه [ أن ]( {[476]} ) أوائل السور مأخوذة من أسماء الله . فيقول في ( كهيعص )( {[477]} ) : " إن الكاف : من كاف ، والهاء : من هاد " .
وعنه أيضاً " أنها أقسام ، أقسم الله بها ، وهي من أسماء الله جل ذكره " ( {[478]} ) .
وقد قال بكل قول من هذه الأقوال جماعة من العلماء( {[479]} ) .
وروى عنه عطاء أنه قال في ( أَلَمّ ) : " الألف : الله ، والسلام : جبريل ، والميم : محمد صلى الله عليه وسلم( {[480]} ) " .
[ وكذلك( {[481]} ) ] روى الضحاك( {[482]} ) عنه .
وقال قتادة : " الَمَ ، اسم من أسماء القرآن( {[483]} ) " . وروي مثله عن مجاهد( {[484]} ) .
وعن مجاهد أيضاً أنه قال : " هي فواتح السور " ( {[485]} ) .
وقال أبو عبيدة والأخفش : " هي افتتاح كلام( {[486]} ) " .
وقال زيد بن أسلم( {[487]} ) : " هي أسماء السور " ( {[488]} ) .
وروى ابن( {[489]} ) جبير عن ابن عباس : " ( كهيعص )( {[490]} ) : كبير ، هاد ، عزيز ، صادق " .
وقال محمد بن كعب( {[491]} ) : ( حم عسق ) : الحاء والميم : من الرحمن ، والعين : من العليم ، والسين : من القدوس ، والقاف : من القهار " .
/وقال في ( اَلَمِّصَ ) : " الألف واللام : الله ، والصاد : من الصمد " .
وقال بعض أهل النظر : " هي( {[492]} ) تنبيه " ( {[493]} ) .
وقال قطرب في معناها : " كان المشركون ينفرون( {[494]} ) عند قراءة القرآن . فلما سمعوا " ( ألَمِّ ) و( اَلَمِّصَ ) وقفوا ليفهموا ما هو وأنصتوا ، فاتصلت تلاوة القرآن بها/ فسمعوه ، وثبتت عليهم الحجة ، وجحدوا بعد سماع ما هو حجة عليهم . وهذه حكمة بالغة من الله ، والله أعلم بذلك " ( {[495]} ) .
وعن قطرب أيضاً أنه( {[496]} ) قال : " هي حروف ذكرت لتدل على أن هذا القرآن مؤلف من هذه الحروف المقطعة " ( {[497]} ) .
وقال أبو العالية : " هي الحروف( {[498]} ) من التسعة وعشرين حرفاً دارت بها الألسن كلها ، ليس فيها( {[499]} ) حرف( {[500]} ) إلا وهو( {[501]} ) مفتاح اسم من أسمائه ، وليس منها حرف إلا وهو في آلائه( {[502]} ) ونعمائه ، وليس منها ( حرف( {[503]} ) ) إلا وهو في مدة أقوام وآجالهم . الألف : مفتاح اسمه : الله ، واللام مفتاح/ اسمه : لطيف ، والميم مفتاح اسمه : مجيد . الألف : آلاء الله ، واللام : لطفه ، والميم : مجده . الألف : سنة ، واللام : ثلاثون سنة ، والميم : أربعون سنة " ( {[504]} ) .
وقال جماعة( {[505]} ) : " هي مما لا يعلمه إلا الله ، ولله في [ كل كتاب ]( {[506]} ) سر ، وهذه الحروف سره في كتابه " .
وقيل( {[507]} ) : هي اسم الله الأعظم . رواه السدي( {[508]} ) عن ابن عباس .
ويروى أن اليهود لما سمعت/ ( أَلَمِّ )( {[509]} ) ، قالوا : " الألف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فهذه إحدى وسبعون سنة ، وهي مدة ملك محمد . أفتدخلون( {[510]} ) في دين ، إنما مدة ملكه إحدى وسبعون سنة( {[511]} ) . فلما سمعوا ( اَلَمِّصَ )( {[512]} ) قالوا : هذا أثقل( {[513]} ) وأطول ؛ الألف واحد( {[514]} ) ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون والصاد ستون فذلك إحدى وثلاثون ومائة سنة ، فلما سمعوا ( أَلَر )( {[515]} )( {[516]} ) ، و( ألَمِّر )( {[517]} ) و( حم عَسِقَ )( {[518]} )( {[519]} ) ، قالوا : قد لبس علينا الأمر ، فما ندري ما( {[520]} ) يقيم ملكه . فأنزل الله عز وجل : ( مِنْهُ ءَايَاتٌ( {[521]} ) مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ )( {[522]} )( {[523]} ) .
فهذا الذي اشتبه( {[524]} ) عليهم في هذا التأويل أو الله أعلم .
وهذه الحروف تسمى حروف المعجم ، وإنما سميت بذلك لأنها مبينة( {[525]} ) للكلام فاشتق لها هذا( {[526]} ) الاسم من قولهم : " أعْجَمْتُ الكِتَابَ " إذا بَيَّنْتَهُ .
وقيل : إنما اشتق لها هذا من قولهم : " عَجَمْتُ الْعُودَ " إذا عَضَضْتَهُ لِتَخْتَبِرَهُ( {[527]} ) .
فيكون " المعجم " من هذا أتى على توهم زيادة الهمزة ، كما أتى " لواقع " على توهم حذف الهمزة من " ألْقَحْتُ " ، وكان الأصل " ملاقح " . كذلك كان الأصل " المعجوم " ، إذا جعلته من " عَجَمْت " . وقد قالوا : / " مسعود " ، على تقدير حذف الهمزة من " أسعده الله " ، وقرئ( {[528]} ) : ( وَأَمَّا الذِينَ سَعِدُوا )( {[529]} ) –بضم السين- على ذلك التقدير . فكذلك( {[530]} ) المعجم من " عجمت " على تقدير حذف الهمزة من( {[531]} ) " أعجمت " ، فيكون معناه حروف الاختبار ، وهي موقوفة مبنية على السكون أبداً ، إلا أن تخبر عن شيء منها ، أو تعطف بعضها على بعض ، فتعربها ، تقول : " هذه جاء وياء " . وهي تؤنث وتذكر .