الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ} (2)

قوله عز وجل : ( ذَلِكَ الْكِتَابُ )[ 1 ] .

أكثر أهل( {[532]} ) التفسير على أن " ذلك " بمعنى( {[533]} ) " هذا( {[534]} ) " .

كما تقول للرجل وهو يحدثك : " ذلك ، والله الحق " ، أي هذا والله الحق( {[535]} ) .

قال الله جل ذكره : ( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ )( {[536]} ) . أي هذا ما كنت منه تحيد . وقال : ( تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ )( {[537]} ) ، أي هذه عشرة كاملة . وقال : ( ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنَ اَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )( {[538]} ) . أي هذا الحكم لمن لم يكن أهله حاضري المسجد( {[539]} ) الحرام( {[540]} ) .

وقال : ( إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ )( {[541]} ) أي إن هذا( {[542]} ) وهو كثير في كلام العرب والقرآن .

وقيل : إن ( ذَلِكَ )/ على بابها( {[543]} ) للإشارة إلى شيءعلوم . واختلف في ذلك المشار إليه . ما هو ؟

فقيل : إن ( ذَلِكَ )( {[544]} ) إشارة إلى ما نزل من القرآن قبل سورة البقرة( {[545]} ) .

وقال الكسائي : " ( ذَلِكَ ) إشارة إلى الرسالة والقرآن وعمّا في السماء( {[546]} ) " .

وقيل : إشارة إلى اللوح المحفوظ( {[547]} ) .

وحكى الطبري( {[548]} ) أن بعض المفسرين قال : " ( ذَلِكَ ) : إشارة إلى التوراة والإنجيل " . وقيل( {[549]} ) : ( ذَلِكَ ) : إشارة إلى ما وعد به النبي صلى الله عليه وسلم من أنه سينزل عليه كتاب فوقعت الإشارة على ما تقدم من الوعد .

وجيء باللام في ( ذَلِكَ ) للتأكيد في بعد الإشارة( {[550]} ) .

وقال الكسائي : " جيء بها لئلا يتوهم أن ( ذَلِكَ ) مضاف إلى الكاف( {[551]} ) " .

وقيل : جيء بها عوضاً عن المحذوف من " ذا " ، لأن أصل " ذا " أن يكون على ثلاثة أحرف ، لأن أقل الأسماء ما يأتي على ثلاثة أحرف .

وقال علي بن سليمان : " جيء باللام لتدل على شدة التراخي ، وكسرت لئلا تشبه( {[552]} ) لام الملك( {[553]} ) .

وقيل : كسرت لأنها بدل( {[554]} ) من همزة مكسورة لأن أصل " ذا " " ذاء " على ثلاثة أحرف بهمزة مكسورة( {[555]} ) ، ومن العرب من يقول في " ذلك " " ذاءك " بالهمز( {[556]} ) حكاه الفراء وغيره ، قال : " وإنما أبدلوا( {[557]} ) من الهمزة لاماً لأن " ذاء " خرج عن لفظ المضاف ، وليس بمضاف ، واللام من أدوات المضاف ، فأبدلوا من الهمزة لاماً وكسرت لأن الهمزة كانت مكسورة لالتقاء الساكنين " .

كان( {[558]} ) أصل ذا/ أن يكون بألفين ليكون على ثلاثة أحرف إذ هي أقل أصول الأسماء فأبدلت الألف الثانية همزة وكسرت لسكونها وسكون الألف قبلها . وقد قال الكسائي : " إنما أبدلوا( {[559]} ) من الهمزة لاماً لئلا تشبه المضاف( {[560]} ) " .

وقيل : إنما كسرت اللام لالتقاء( {[561]} ) الساكنين لأنها اجتلبت ساكنة( {[562]} ) ، وقبلها الألف من " ذا " ساكنة ، وكسرت اللام لالتقاء الساكنين( {[563]} ) .

والاسم من " ذلك " ، ذا( {[564]} ) وقيل : الاسم الذال ، وزيدت الألف للتقوية( {[565]} ) .

ولا موضع للكاف من الإعراب ، إنما هي للخطاب ، ولو كان لها موضع من الإعراب لكانت في موضع خفض بالإضافة على ظاهر اللفظ( {[566]} ) .

و " ذا " لا يضاف في شيء من كلام العرب ، لأنه معرفة ، ولأن اللام تفصل بينهما ، ولأن المعنى على غير معنى الإضافة .

والكتاب مشتق من الكتيبة( {[567]} ) وهي الخيل المجتمعة ، يقال : " تكتَّب القَوْمُ " إذا اجتمعوا . فسمي المكتوب كتاباً لاجتماع بعض الحروف إلى بعض . ومنه قول العرب : " كُتِبَتْ القِرْبَة( {[568]} ) " إذا جُمِعَتْ( {[569]} ) خُرَزاً( {[570]} ) إلى خُرَز( {[571]} ) ، وكَتَبْتُ البَغلَةَ " إذا جَمَعْتَ( {[572]} ) بين شُفْرَيْهَا بِحَلْقَة( {[573]} ) .

قوله عز وجل : ( لاَ رَيْبَ فِيهِ ) [ 1 ] .

/ الهاء( {[574]} ) تعود( {[575]} ) على ( الكتاب/ . وقيل على ( ذَلِكَ ) .

وقيل : على ( أَلَمِّ )( {[576]} ) على أن تكون ( أَلَمِّ ) اسماً( {[577]} ) من أسماء القرآن .

وقيل : هي( {[578]} ) راجعة على ( هُدىً ) مقدمة( {[579]} ) عليه ، يراد( {[580]} ) به التقديم . أي ذلك الكتاب هدى لا ريب فيه ، أي في الهدى . ورجوعها على ( الْكِتَابُ ) أبينها .

والكتاب القرآن هو نفي عام نفى الله جل ذكره/ أن يكون فيه شك عند من وفقه الله ، وقد ارتاب فيه من خذله الله ولم يوفقه ، ولذلك قال : ( وَإِن كُنْتُم فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا )( {[581]} ) . معناه : وإن كنتم على زعمكم في شك من ذلك فأتوا ببرهان على ذلك ، فقد أتيناكم بما لا ريب فيه لمن وفق .

والريب مصدر " رَابَني( {[582]} ) الأَمْرُ رَيْباً " .

وحكى المبرد( {[583]} ) : " رَابَني( {[584]} ) الشيء تبينت فيه الريبة ، وأَرَابَنِي إذا لم أتبينها( {[585]} ) فيه " ( {[586]} ) .

وحكى غيره : " أَرَابَ الرجل في نفسه ، ورَابَ( {[587]} ) غيره( {[588]} ) " .

وقوله : ( هُدىً لِّلْمُتَّقِينَ ) [ 1 ] .

الهدى : الرشد والبيان( {[589]} ) .

والتقى : ( {[590]} ) اسم جامع لكل خصلة محمودة العاقبة( {[591]} ) ، ومن اتقى الشرك فهو من المتقين ، وهو أعظم التقى ، وأصله من التَّوقّي وهو التستر( {[592]} ) ، فكأن التقي( {[593]} ) يستر على جميع ما يذم عليه . وقد فسرنا إعراب هذا وما شابهه في كتاب " تفسير مشكل الإعراب " ، فأخلينا هذا الكتاب من بسط الإعراب لئلا يطول إلا أن يقع نادر( {[594]} ) من الإعراب فنذكره على شرطنا المتقدم . فاعلم ذلك .


[532]:- في ع2: هل.
[533]:- في ع1: المعنى.
[534]:- انظر: معاني الفراء 1/10-11، ومجاز القرآن 1/28، والبيان 1/225، وتفسير القرطبي 1/157.
[535]:- في ع2: حق.
[536]:- ق آية 21.
[537]:- البقرة آية 195.
[538]:- البقرة آية 195.
[539]:- سقط من ق.
[540]:- قوله: "أي هذا الحرام" سقط من ع2.
[541]:- ص آية 64.
[542]:- قوله: "أي إن هذا" سقط من ع2، ع3.
[543]:- في ع2: بابها هي.
[544]:- قوله: "إن ذلك" ساقط من ق.
[545]:- انظر: المحرر الوجيز 1/98.
[546]:- انظر: المحرر الوجيز 1/98.
[547]:- المصدر السابق.
[548]:- انظر: جامع البيان 1/227.
[549]:- انظر: المحرر الوجيز 1/98.
[550]:- انظر: مشكل الإعراب 1/73. والبيان 1/44، والإملاء 1/10.
[551]:- انظر: إعراب القرآن 1/128.
[552]:- في ع2: تشب.
[553]:- انظر: إعراب القرآن 1/128.
[554]:- في ق: يدل. وهو تصحيف.
[555]:- انظر: مشكل الإعراب 1/128.
[556]:- في ع2، ع3: بالهمزة.
[557]:- في ع2: أبدأ. وهو تحريف.
[558]:- في ع2: لأن.
[559]:- ق: بدلوا.
[560]:- انظر: الإنصاف 2/673.
[561]:- في ع3: للاتقاء وهو تحريف.
[562]:- قوله: "لأنها اجتلبت ساكنة" ساقط من ع2.
[563]:- انظر: هذا القول في الإملاء 1/10.
[564]:- وهو مذهب البصريين. انظر: معاني الأخفش 1/120، وإعراب القرآن 1/128، والبيان 1/43، والإنصاف 2/269-273.
[565]:- وهو مذهب الكوفيين. انظر: مشكل الإعراب 1/73 والبيان 1/43 والإنصاف 2/269-271.
[566]:- انظر: مشكل الإعراب 1/73-74.
[567]:- في ع2، ح، ق: الكتبية (وهو تصحيف).
[568]:- في ع1، ع2، في ق، ع3: القرية.
[569]:- في ع2، ع3: اجتمعت.
[570]:- في ع1، ع2 ق: خرزا. وفي ع3: خرز، والخرزة الثقبة. انظر: اللسان 1/811.
[571]:- تصويب لابد منه، وفي جميع النسخ: حرز.
[572]:- في ق: جمعت.
[573]:- انظر: اشتقاق الكتاب من اللسان 3/217.
[574]:- في ع2، ق، ع3: والهاء.
[575]:- في ع3: يعود.
[576]:- في ع1: ألف لام ألم. وفي ع2: ألم ألف لام. وفي ح، ع3: ألف لام.
[577]:- في ع2، ع3: اسم. وهو خطأ.
[578]:- سقطت من ع2، ع3.
[579]:- في ع3: متقدمة.
[580]:- في ق: يريد. وهو تحريف.
[581]:- البقرة آية 22.
[582]:- في ع3: ربني. وهو تحريف.
[583]:- في ع2: البرد. وهو تصحيف.
[584]:- في ع3: ربني.
[585]:- في ق: تبينها.
[586]:- انظر: اللسان 1/1263-1264.
[587]:- في ق: أراب.
[588]:- انظر: اللسان 1/1263-1264.
[589]:- انظر: مجاز القرآن 1/29.
[590]:- في ع3: المتقين.
[591]:- في ع2: العافية. وهو تصحيف.
[592]:- في ع2، ع3: المتستر.
[593]:- في ح: المتقي.
[594]:- في ع3: ناذر. وهو تصحيف.