قوله( {[673]} ) : ( إِنَّ الذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمُ )[ الآية 5 ] .
هذه الآية( {[674]} ) نزلت( {[675]} ) في قوم سبق في علم الله فيهم أنهم لا يؤمنون ، فأعلم الله( {[676]} ) نبيه صلى الله عليه وسلم أن الإنذار لا ينفعهم لما سبق لهم في علمه ، وَثَمَّ كفار أُخَر نفعهم الإنذار فآمنوا لما سبق لهم في علم الله سبحانه من الإيمان به( {[677]} ) ، فالآية عامة في ظاهر اللفظ يراد به الخصوص ، فهي في من تقدم له في علم الله أنه لا يؤمن خاصة ، ومثله ( وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ )( {[678]} ) .
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إيمان جميع الخلق ، فأعلمه الله عز وجل في هذه( {[679]} ) الآية( {[680]} ) أن من سبق له في علم الله [ سبحانه الكفر والثبات عليه ]( {[681]} ) إلى الموت لا يؤمن ولا ينفعه الإنذار ، وأن الإنذار وتركه سواء عليه . وهذا مما يدل على ثبات القدر بخلاف ما تقوله المعتزلة . وقيل : نزل ذلك في قادة( {[682]} ) الأحزاب ، وهم الذين نزل فيهم ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ/ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً ) الآية( {[683]} ) . وهم الذين قتلوا يوم بدر ، قال( {[684]} ) ذلك الربيع بن أنس( {[685]} ) .
وقال ابن عباس : " نزلت في اليهود الذين جحدوا بمحمد صلى الله عليه وسلم استكباراً وحسداً مع معرفتهم أنه نبي صلى الله عليه وسلم " ( {[686]} ) .
وروى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال : " حيي بن أخطب ، وكعب بن الأشرف( {[687]} ) مع أصحابهما من رؤساء اليهود الذين دخلوا على النبي [ عليه السلام ]( {[688]} ) وسألوه عن ( أَلَمِ ذَلِكَ الكِتَابُ ) " ( {[689]} ) .
وقيل : هي عامة في كل كافر تقدم له في علم الله أنه لا( {[690]} ) يؤمن .
وأصل الكفر التغطية . ومنه قيل لِلّيل : كافر ، لأنه يستر بظلمته ما فيه( {[691]} ) .
ويقال للزراع : كفّار( {[692]} ) ، لأنهم يسترون( {[693]} ) الحب في الأرض ، ومنه قوله ( يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ )( {[694]} )( {[695]} ) . ومنه قولهم : " كَفّارَةُ اليمين " . لأنها تستر( {[696]} ) الإثم عن الحالف ، ومنه سمي الكافر لأنه( {[697]} ) يستر( {[698]} ) الإيمان بجحوده( {[699]} ) .
ومعنى لفظ الاستفهام في/ ( ءَآنذَرْتَهُمُ ) للتسوية( {[700]} ) ، وهو في المعنى خبر ، لكن التسوية تجري في اللفظ مجرى لفظ الاستفهام( {[701]} ) ، والمعنى [ على الخبر ]( {[702]} ) ، تقول : " سواء عليَّ أقمت أم قعدت . وإنما صار لفظ التسوية مثل لفظ الاستفهام للمضارعة التي بينهما ، وذلك أنك إذا قلت : " قد علمت أزيد( {[703]} ) في الدار أم عمرو " ، فقد سويت علم المخاطب فيهما( {[704]} ) ، فلا يدري أيهما في الدار ، وقد اسْتَوَى علمك في ذلك ، وتدري أحدهما في الدار ولا تدريه بعينه . فهذا تسوية( {[705]} ) .
وتقول في الاستفهام : " أزيد في الدار أم عرو ؟ " ، فأنت لا تدري أيهما في الدار ، وقد استوى علمك في ذلك وتدري( {[706]} ) أن أحدهما( {[707]} ) في الدار ، ولا تدري عينه منهما ، فقد صار الاستفهام كالتسوية في عواقب الأمور ، غير أن التسوية إبهام على المخاطب وعلم يقين عند المتكلم ، والاستفهام إبهام على المتكلم . ويجوز أن يكون( {[708]} ) المخاطب مثل المتكلم في ذلك ، ويجوز أن يكون عنده يقين ما سئل عنه . فاعرف الفرق بينهما .
وقوله : ( ءَآنْذَرْتَهُمُ ) ، فيه عشرة أوجه .
- الأول( {[709]} ) : تحقيق( {[710]} ) الهمزة الأولى ، وتخفيف الثانية بين الهمزة والألف . وهي لغة قريش وكنانة ، وهي قراءة ورش( {[711]} ) عن نافع( {[712]} ) وابن كثير( {[713]} ) .
- والثاني : تحقيق الأولى وبدل الثانية بألف ، وهو مروي عن ورش وفيه ضعف( {[714]} ) .
- والثالثة : تحقيق الهمزيين وهي قراءة أهل الكوفة( {[715]} ) ، وابن ذكوان( {[716]} ) عن ابن عامر( {[717]} ) .
- والرابع : حذف الهمزة الأولى وتحقيق الثانية . وهو مروي عن الزهري ، وهي قراءة ابن( {[718]} ) محيصن( {[719]} ) ، وذلك لأن " أم " تدل( {[720]} ) على الألف المحذوفة( {[721]} ) .
- والخامس : تحقيقهما جميعاً وإدخال ألف( {[722]} ) بينهما . وبذلك( {[723]} ) قرأ( {[724]} ) ابن أبي إسحاق( {[725]} ) .
- والسادس( {[726]} ) : تحقيق الأولى( {[727]} ) ، وتخفيف الثانية بين الهمزة والألف ، وإدخال الف بينهما . وبذلك قرأ أبو عمرو( {[728]} ) ، وقالون( {[729]} ) ، وإسماعيل بن جعفر( {[730]} ) عن نافع ، وهشام بن عمار( {[731]} ) عن ابن عامر .
- والسابع : ذكره أبو حاتم( {[732]} ) قال : " يجوز أن تدخل بينهما أيضاً ، وتحذف الثانية " ، فيصير لفظ هذا الوجه كلفظ الوجه الثاني المذكور .
- والثامن : ذكره الأخفش قال : " يجوز أن تخفف( {[733]} ) الأولى منهما وتحقق( {[734]} ) الثانية " ، ولم يقرأ بهذا أحد ، وهو بعيد ضعيف لأن الاستثقال( {[735]} ) لا يقع في أول الكلام ، ولأن الهمزة المخففة بين بين ، لا يبتدأ بها إلا أن تريد أن تصل الهمزة بما قبلها وتلقي حركتها على الميم الساكنة قبلها ، فهو قياس ، وليس عليه عمل( {[736]} ) .
- والتاسع : ذكره أبو حاتم( {[737]} ) أيضاً قال : " يجوز أن تخفف الهمزتين " . وهو بعيد ، ولم يقرأ به أحد ، وله قياس إذا وصلت كلامك ، فتلقي/ حركة( {[738]} ) الأولى على الميم الساكنة قبلها ، وتخفف( {[739]} ) الثانية بين بين ، وهو بعيد جداً( {[740]} ) .
- والعاشر : ذكره الأخفش أيضاً ؛ قال : " يجوز أن تبدل من الأولى هاء ، فتقول : " هانْذَرْتَهُمْ " ( {[741]} ) . ولم يقرأ به أحد ومخالف للخط ، وقياسه في العربية جيد . ويجوز مع بدل الأولى " بهاء " أن تحقق الثانية وأن تخففها ، وتدخل بين الهمزة والهاء ألفاً ، وان تحقق الثانية وتدخل بينهما ألفاً ، فتبلغ الوجوه إلى أربعة عشر وجهاً( {[742]} ) .