الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ} (37)

ثم قال : { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } ، أي لا يشغلهم عن صلاتهم في هذه المساجد شيء{[48792]} .

ونظر{[48793]} سالم بن عبد الله إلى قوم من أهل السوق ، قاموا وتركوا أشغالهم{[48794]} يريدون الصلاة فقال : هؤلاء الذين ذكر{[48795]} الله في كتابه : { لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله }[ 36 ] .

وذكر الله هنا : الصلاة المكتوبة ، قاله ابن عباس وغيره{[48796]} .

قال{[48797]} عطاء : { عن ذكر الله } ، أي : عن حضور الصلاة المكتوبة{[48798]} .

وعن{[48799]} عبد الله{[48800]} بن عمر ، وعن ابن مسعود مثل قول ابن مسعود مثل قول سالم بن عبد الله{[48801]} . في القائمين عن أشغالهم إلى الصلاة .

وروت{[48802]} أسماء بنت يزيد الأنصارية{[48803]} أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال{[48804]} : إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة نادى مناد يسمع الخلائق كلهم{[48805]} سيعلم الله{[48806]} الجمع من أولى بالكرم اليوم ، ثم يرجع فينادي : ليقم الذين كانت : { تتجافى جنوبهم عن{[48807]} المضاجع } يدعون{[48808]} ربهم خوفا وطمعا } الآية قال : فيقومون وهم قليل ، ثم يرجع فينادي ليقم الذين كانت{[48809]} { لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله }[ 37 ] ، إلى قوله : { الأبصار } قال : فيقومون وهم قليل ، ثم يرجع فينادي ليقم الذين كانوا يحمدون الله في السراء والضراء ، فيقومون وهم قليل .

قال{[48810]} : ثم{[48811]} يحاسب سائر الناس .

وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية : هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله . ثم قال : { وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة }[ 37 ] ، أي{[48812]} : ولا يلهيهم شيء عن إقامة الصلاة عند مواقيتها ، وعن أداء الزكاة عند وقتها .

وإقام مصدر أقمت{[48813]} وأصله إقواما ، ثم قلبت الواو ألفا ، فاجتمع ألفان ، فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين ، فبقي إقاما فدخلت الهاء عوضا من المحذوف{[48814]} ، فصارت إقامة ، فلما أضيف المصدر : قام المضاف إليه مقام الهاء التي دخلت عوضا من الألف{[48815]} المحذوفة{[48816]} فإذا{[48817]} أضفت{[48818]} هذا المصدر{[48819]} جاز حذف الهاء ، لأن{[48820]} المضاف إليه يقوم مقامها . ألا ترى أنك تقول : وعدته عدة فتثبت الهاء لأمها عوضا من الفاء فإن أضفته جاز حذف الهاء .

قال الشاعر{[48821]} :

إن الخليط أجدُّوا البين فانجردوا *** وأخلفوك عدا الأمر الذي وعدوا .

يريد عدة{[48822]} الأمر .

وقال{[48823]} ابن عباس : الزكاة هنا طاعة الله جل ذكره ، والإخلاص ، وكذلك عنده { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } وقوله : { يامر{[48824]} أهله بالصلاة والزكاة }{[48825]} وقوله : { وأوصى بالصلاة والزكاة }{[48826]} ، وقوله : { ما زكى منكم من أحد أبدا }[ 21 ] ، قوله : { وتزكيهم بها } وقوله : { يتلوا عليهم آياته ويزكيهم }{[48827]} ، وقوله تعالى{[48828]} : { وحنانا من لدنا وزكاة }{[48829]} ، هذا{[48830]} كله ونحوه عنده . عني به الطاعة لله والإخلاص .

/ثم قال : { يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار }[ 37 ] ، أي تعرف القلوب فيه الأمر عيانا ويقينا ، فتنقلب عما كانت عليه من الشك والكفر إلى اليقين ، ويزداد المسلمون{[48831]} يقينا ، ويكشف عن الأبصار غطاؤها{[48832]} فتنظر الحق ، ومثله { فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد }{[48833]} ، و{[48834]} قيل : المعنى . تتقلب{[48835]} فيه القلوب من هوله بين طمع بالنجاة ، وحذر{[48836]} من الهلاك ، وتنقلب الأبصار في نظرها ، أي ناحية يؤخذ بهم لذات{[48837]} اليمين أم ذات الشمال ؟ ومن أين{[48838]} يؤتون كتابهم ، أمن قبل الأيمان أم من{[48839]} قبل الشمائل ؟ {[48840]} وذلك يوم القيامة .

وقيل{[48841]} : معناه تنقلب في النار من حال إلى حال ، ومن عذاب إلى عذاب مرة إنضاج ، ومرة إحراق ، ومرة لفح .

وقيل{[48842]} : هو تقلبها على جمر جهنم ، كما قال : { يوم تقلب وجوههم في النار }{[48843]} ، وكما قال : { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما{[48844]} لم يومنوا به أول مرة }{[48845]} ، أي : نقلبها في النار .


[48792]:ز: بشيء.
[48793]:انظر: تفسير ابن جرير 18/146، وزاد المسير 6/48، والرازي 24/4، والقرطبي 12/79، وابن كثير5/110.
[48794]:في ابن جرير "بياعتهم" انظر: 18/147، وزاد المسير 6/48.
[48795]:ز: ذكروا.
[48796]:انظر: تفسير ابن جرير 18/147، وزاد المسير 6/48.
[48797]:ز: وقال.
[48798]:انظر: أحكام القرآن للجصاص 3/328، زاد المسير 6/48، والقرطبي 12/279.
[48799]:ز: وروي: وقد وضع على روي صه في ع.
[48800]:هو عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، أبو عبد الرحمن: صحابي من أعز بيوتات قريش في الجاهلية، كان جريئا جهيرا. نشأ في الإسلام، وهاجر إلى المدينة مع أبيه، وشهد فتح مكة ومولده سنة10ق. هـ. ووفاته 73هـ بمكة. انظر: الإصابة 4825، وتهذيب الأسماء 1/278، وابن خلكان 1/246، والأعلام 4/246.
[48801]:انظر: تفسير ابن جرير 18/146، والرازي 24/4، وابن كثير 5/110، والدر المنثور 18/208.
[48802]:انظر: أحمد بن حنبل 4/215.
[48803]:هي أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع بن امرئ القيس، يقال لها خطيبة النساء انظر كتاب الأسماء المبهمة 1/29.[المدقق]
[48804]:"قال" ساقطة من ز.
[48805]:ز: كلها.
[48806]:"أهل" ساقطة من ز.
[48807]:السجدة: 16.
[48808]:من "ويدعون...طمعا" ساقط من ز.
[48809]:ز: كانوا.
[48810]:"قال" ساقطة من ز.
[48811]:ز: هم.
[48812]:"أي" ساقطة من ز.
[48813]:ز: إقامة.
[48814]:ز: المحذفة.
[48815]:ز: ألف.
[48816]:"المحذوفة" ساقطة من ز.
[48817]:ز: فإن.
[48818]:ز: أضفته.
[48819]:"هذا المصدر" ساقط من ز.
[48820]:من "لأن المضاف. حذف الهاء": ساقط من ز.
[48821]:البيت للفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب، انظر: تفسير ابن جرير 18/147 واللسان 3/462 مادة: "وعد"، ومعاني الفراء2/254.
[48822]:ز: عزة.
[48823]:انظر: تفسير ابن جرير 18/148، والرازي 24/5، والقرطبي 12/280، ومجمع البيان 18/51.
[48824]:ز: "وكان يأمر...".
[48825]:مريم: 55.
[48826]:مريم:55.
[48827]:آل عمران:164.
[48828]:"تعالى": سقطت من ز.
[48829]:مريم: 13.
[48830]:"هذا" ساقطة من ز.
[48831]:ز: "المسلمين" وهو خطأ.
[48832]:ز: غطاء.
[48833]:ق: 22.
[48834]:انظر: تفسير ابن جرير 18/148، وزاد المسير 6/48، والقرطبي 12/280-281، ومجمع البيان 18/51.
[48835]:ز: يتقلب.
[48836]:ز: وحذرا.
[48837]:ز: ذات.
[48838]:ز: أن.
[48839]:"من" ساقطة من ز.
[48840]:ز: الشمال.
[48841]:انظر: القرطبي 12/281، ومجمع البيان 18/51 رواية عن الجبائي.
[48842]:انظر: القرطبي 12/281.
[48843]:الأحزاب:66.
[48844]:من "كما لم...أول مرة" ساقط من ز.
[48845]:الأنعام: 110.