الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٖۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٞ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (154)

قوله : ( ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً( {[11071]} ) نُّعَاساً ) الآية [ 154 ] .

النعاس : بدل من أمنة . ويجوز أن يكون مفعولاً من أجله( {[11072]} ) . وأمنة مصدر في الأصل . وقيل : هو اسم فاعل .

أخبرهم الله تعالى أنه( {[11073]} ) جعلهم طائفتين طائفة أمنة حتى نعست ، وطائفة أهمتها نفسها حين ظنت بالله غير الحق : أي ساء ظنها بالله سبحانه .

وسبب ذلك فيما ذكر السدي : أن المشركين انصرفوا [ من أحد ]( {[11074]} ) بعدما كان منهم ، واعدوا النبي صلى الله عليه وسلم بدراً من قابل فقال لهم : نعم ، فتخوف المسلمون أن ينزل المشركون المدينة فبعث النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً : أنظر ، فإن رأيتهم قعوداً على أثقالهم ، وجنبوا خيلهم ، فإن القوم ينزلون المدينة ، فاتقوا الله ، واصبروا وَوَطَّنهم على القتال ، وإن رأيتهم سراعاً عجالاً ، فليس ينزلون المدينة ، فلما أبصرهم الرسول –قعود على الأثقال( {[11075]} )- سراعاً عجالاً نادى بأعلى صوته بذهابهم ، فلما رأى المؤمنون ذلك أمنوا وناموا ، وبقي أناس من المنافقين يظنون أن القوم يأتوهم فطار عنهم النوم ، ولم يركنوا إلى قوم النبي صلى الله عليه وسلم وما أخبرهم به : أنهم لا ينزلون المدينة( {[11076]} ) .

قال أبو طلحة : كنت أنعس حتى يسقط سيفي من يدي .

ثم أخبر عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء المنافقين يخفون في أنفسهم ما لا يبدون للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأن الذي يخفون منه قولهم : ( لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الاَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ) وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم : ( لَّوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الذِينَ ) قدر الله عليهم القتل إلى مضاجعهم التي سبق في علمه أنهم يقتلون بها . ومعنى ( لَبَرَزَ الذِينَ ) [ أي ]( {[11077]} ) : لصاروا( {[11078]} ) إلى براز من الأرض ، وهو المكان المنكشف( {[11079]} ) .

وقرأ أبو حياة( {[11080]} ) : لبُرِّز الذين . مشدداً على ما لم يسم فاعله( {[11081]} ) .

قوله : ( وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ ) يعني به( {[11082]} ) : المنافقين يبرزون من بيوتهم إلى مضاجعهم التي يموتون بها( {[11083]} ) .

وقيل المعنى : ( وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ ) فرض عليكم القتال( {[11084]} ) . وقال الطبري : معناه وليختبر الذي في صدوركم من الشك فيميزكم بما يظهر للمؤمنين من نفاقكم ، فيميزكم المؤمنون( {[11085]} ) .

( وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ) أي : يكفر عنكم سيئاتكم إن كنتم على يقين من دينكم ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ ) بما في صدوركم .


[11071]:- الأمنة بفتح الميم وسكونها بمعنى الأمن، وفرق آخرون فقالوا: الأمنة تكون مع بقاء أسباب الخوف والأمن يكون مع زوال أسبابه. انظر: تفسير الغريب 114 ومعاني الزجاج 1/479.
[11072]:- في (نُّعَاساً) إعرابان: أن تكون بدلاً أو مفعول لأجله، وعلى هذا التقدير فإعراب أمنة فيه وجوه منها: أن تكون حالاً من نعاس متقدمة عليه. أن تكون مفعولاً له بمعنى: يغشيكم أمنة. أن يكون حالاً من المخاطب. انظر: إعراب النحاس 1/371، ومشكل الإعراب 1/177 والبيان في غريب الإعراب 1/266.
[11073]:- (أ): إنهم جعلهم.
[11074]:- ساقط من (أ) (ج).
[11075]:- ما بين – زيادة في كل النسخ. وحقها أن تحذف.
[11076]:- انظر: جامع البيان 4/139 والدر المنثور 2/352.
[11077]:- ساقط من (ب) (د).
[11078]:- (د): لصار وهو خطأ.
[11079]:- انظر: اللسان "برز" 5/309.
[11080]:- هو أبو حياة شريح بن يزيد الحضرمي الحمصي توفي 203 هـ صاحب القراءة الشاذة، روى قراءة الكسائي وذكره ابن حبان في الثقات، انظر: غاية النهاية 1/325.
[11081]:- انظر: مختصر الشواذ 23، وفيه: أبو حيوة، وجامع الأحكام 4/243.
[11082]:- (ب) (د): بها.
[11083]:- انظر: جامع البيان 4/143.
[11084]:- انظر: إعراب النحاس 1/372.
[11085]:- كذا في كل النسخ، وفي قول الطبري هنا تحريف وصوابه "وليختبر الله الذي في صدوركم من الشك فيميزكم بما يظهره للمؤمنين من نفاقكم". انظر: جامع البيان 4/143.