الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ} (159)

قوله : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ) الآية [ 159 ] .

هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمعنى : فبرحمة( {[11100]} ) من الله لنت للمؤمنين حتى آمنوا بك فسهلت( {[11101]} ) عليهم الأمر ، وبينت لهم الحجج ، وحسنت خلقك ، وصبرت على الأذى ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلْبِ لَاْنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) أي : لتركوك ( فَاعْفُ عَنْهُمْ ) أي : تجاوز عنهم ، واصفح فيما نالك منهم ، ثم قال : ( وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) أي : ادع ربك( {[11102]} ) لهم بالمغفرة . وقوله ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الاَمْرِ ) أَمَرَ الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه عند الحرب ولقاء العدو ، وتطييباً لأنفسهم ، وتأليفاً( {[11103]} ) لهم على دينهم .

قال أبو اسحاق( {[11104]} ) : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الاَمْرِ ) معناه : ليريهم أنه يستعين بهم ، ويسمع من آرائهم ، فيكون أطيب لأنفسهم وقد كان عنهم غنياً لتوفيق الله عز وجل له بالوحي .

وقيل : إنما أمره بذلك لما فيه من الفضل وليتأسى أمته صلى الله عليه وسلم بذلك بعده . روى ابن( {[11105]} ) وهب أن مالكاً قال : ما تشاور قوم قط إلا هُدوا( {[11106]} ) . وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحزم فقال " تستشيروا الرجل ذا الرأي ثم تمضي إلى ما أمرك به " ( {[11107]} ) . ويقال : ما هلك امرؤ عن مشورة ، ولا سعد بتوحيد رأي . وقال النبي عليه السلام " المستشار بالخيار ما لم يتكلم ، فإذا تكلم فحق عليه أن ينصح " ( {[11108]} ) .

قال الحسن والله ما تشاور [ قوم ]( {[11109]} ) قط بينهم إلا هداهم الله لأفضل ما بحضرتهم( {[11110]} ) .

قال أبو هريرة رضي الله عنه : ما رأيت من الناس أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم( {[11111]} ) . قال ابن شهاب : بلغني أن عمر بن الخطاب قال : واستشر في أمرك الذين يخشون الله .

وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما شقي عبد بمشورة ولا سعد عبد باستغناء رأي " ( {[11112]} ) .

وقال الشعبي : مكتوب في التوراة من لم يستشر يندم .

أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما خاب من استخار ، ولا ندم من استشار " ( {[11113]} ) .

وقال ابن عباس : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الاَمْرِ ) أبو بكر وعمر رضي الله عنهما( {[11114]} ) .

وقيل( {[11115]} ) : إنما أمر أن يشاورهم فيما لم يكن عنده علم فيه وحي لأنه قد يكون عند بعضهم فيه علم ، والناس قد يعرفون من أمور الدنيا ما لا تعرف الأنبياء صلوات الله عليهم( {[11116]} ) .

( فَإِذَا عَزَمْتَ ) أي : إذا ثبت الرأي على أمر ( فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) فيه ، وامض فيه ، إن الله يحب من يتوكل عليه ويفوض الأمر إليه .


[11100]:- (ج): فبما رحمة.
[11101]:- (ج): فهلت.
[11102]:- (ب) (د): ادعوا لهم ربك.
[11103]:- (ب) (د): تالفاء.
[11104]:- كذا في كل النسخ وعند ابن هشام والطبري: ابن إسحاق وهو الصواب. انظر: سيرة ابن هشام 2/116 جامع البيان 452.
[11105]:- زيادة يقتضيها السياق.
[11106]:- ورواه الطبري من قول الحسن، وزاد "إلا هدوا لأرشد أمورهم" [المدقق].
[11107]:- أخرجه أبو داود في المراسيل 186 والبيهقي في كتاب أدب القضاة 10/112.
[11108]:- لم أقف عليه.
[11109]:- ساقط من (أ) (ج).
[11110]:- انظر: جامع البيان 4/152 والدر المنثور 2/359.
[11111]:- انظر: الدر المنثور 2/359.
[11112]:- لم أقف عليه، وسبق ذكره قريباً [المدقق].
[11113]:- انظر: تخريجه في المعجم الصغير (977) للطبراني 2/87 قال المدقق: والأوسط لكن بسند ضعيف عن أنس (6816) 14/394. والجامع الصغير 2/494.
[11114]:- انظر: الدر المنثور 2/359. ونسبه للحاكم وصححه البيهقي في السنن [المدقق].
[11115]:- عزاه الطبري لقتادة 4/152.
[11116]:- انظر: الشفا حيث عقد لهذه المسألة فصلاً خاصاً 1/341 و2/872.