الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمۡۗ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفۡعَلُوٓاْ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِكُم مَّعۡرُوفٗاۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مَسۡطُورٗا} (6)

ثم قال تعالى ذكره : { النبيء أولى بالمومنين من أنفسهم } .

أي : أولى بهم من بعضهم لبعض ، مثل : { فاقتلوا أنفسكم } {[10]} { تقتلون أنفسكم } {[11]} وقيل : المعنى : أمر النبي أولى بالاتباع مما تأمر به النفس {[12]} .

وقال ابن زيد : المعنى : ما قضى فيهم النبي من أمر جاز ، كما كلما قضيت على عبدي جاز {[13]} .

وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة ، اقرؤوا إن شئتم : " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " ، فأيما مؤمن ترك مالا فلورثته ولعصبته من كانوا ، ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه " {[14]} .

وحكى قتادة والحسن : بأنه كان يقرأ في بعض القراءات : " من أنفسهم وهو أب لهم " {[15]} ولا ينبغي أن يقرأ بذلك الآن لمخالفته المصحف والإجماع {[16]} .

ثم قال تعالى : { وأزواجه أمهاتهم } أي : في الحرمة كالأم ، فلا يحل تزوجهن من بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كما لا يحل تزويج الابن الأم ، وهن في الحق والتعظيم والبر كالأم .

ويروى أنه إنما فعل ذلك بهم لأنهن أزواجه في الجنة .

ثم قال تعالى : { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } أي : وأولوا الأرحام الذين ورثت يا محمد بعضهم من بعض أولى بالميراث من أن يرثهم المؤمنون والمهاجرون بالهجرة دون الرحم . هذا قول الطبري {[17]} .

قال قتادة : لم يزل المؤمنون زمانا يتوارثون بالهجرة ، والأعرابي المسلم لا يرث من المهاجر شيئا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فخلط المسلمون بعضهم ببعض فصارت المواريث بالملل {[18]} .

وقيل : التقدير : وأولوا الأرحام من المؤمنين والمهاجرين أولى بالميراث من غيرهم ممن لا رحم بينهم من المؤمنين المهاجرين {[19]} .

وقال ابن زيد : كان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بين المهاجرين والأنصار أول ما كانت الهجرة ، فكانوا يتوارثون على ذلك . قال فلما ظهر الفتح انقطعت الهجرة وكثرة الإسلام وتوارث الناس على الأرحام ، فنسخ التوارث بالهجرة {[20]} ، قال ذلك في كلام طويل تركته إذ الفائدة فيما ذكرت منه .

فمعنى الآية على هذا التأويل : وأولوا الأرحام من المهاجرين والأنصار بعضهم أولى ببعض بالميراث من أن يتوارثوا بالهجرة .

ثم قال تعالى : { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا } .

أي : إلا أن تواصوا لقرابتكم من غير أهل الإيمان والهجرة ، قال قتادة والحسن وعطاء وابن الحنفية {[21]} {[22]} .

وقال مجاهد : معناه إلا أن تمسكوا بالمعروف والإحسان بينكم وبين حلفائكم من المهاجرين والأنصار {[23]} .

وقيل : المعنى : إلا أن توصوا لمن حالفتموه وواخيتموه من المهاجرين والأنصار ، قاله ابن زيد {[24]} .

وقوله تعالى : { كان ذلك في الكتاب مسطورا } .

أي : كان أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في اللوح المحفوظ مكتوبا ، قاله ابن زيد {[25]} وغيره .

وقيل : المعنى : كان منع أن يرث المشرك المسلم مكتوبا في الكتاب ، قاله قتادة {[26]} .


[10]:ساقط من أ.
[11]:في تنوير المقياس 509: "بقوتها وشدتها تقوم بحملها ولا يقوم غيرها".
[12]:أ: قال.
[13]:أ: للقطع.
[14]:انظر: المحرر 16/290.
[15]:- في ق: ح، ع3: تقضيت. وهو تصحيف.
[16]:- في ع2: تأليف. وهو تحريف.
[17]:- في ع2: ظهار. وهو تحريف.
[18]:- في ع2، ق، ع3: ناذر. وهو تصحيف.
[19]:- في ح: تصريف.
[20]:- في ع2، ق: ما.
[21]:- في ق: بروايته. وهو تحريف.
[22]:- في ع3: بالكتاب. وهو تحريف.
[23]:- وهو كتاب "مشكل إعراب القرآن".
[24]:- في ع3: بالكتاب. وهو تحريف.
[25]:- في ق، ح: تبين.
[26]:- في ع2، ح، ع3: فيه.