الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٖ مِّن قَلۡبَيۡنِ فِي جَوۡفِهِۦۚ وَمَا جَعَلَ أَزۡوَٰجَكُمُ ٱلَّـٰٓـِٔي تُظَٰهِرُونَ مِنۡهُنَّ أُمَّهَٰتِكُمۡۚ وَمَا جَعَلَ أَدۡعِيَآءَكُمۡ أَبۡنَآءَكُمۡۚ ذَٰلِكُمۡ قَوۡلُكُم بِأَفۡوَٰهِكُمۡۖ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلۡحَقَّ وَهُوَ يَهۡدِي ٱلسَّبِيلَ} (4)

ثم قال تعالى : { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } .

هذا تكذيب لقوم من المنافقين زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذو قلبين : قاله ابن عباس{[55255]} .

وعن ابن عباس أيضا أنه نزلت في رجل من قريش يسمى من حدة ذهنه ذا القلبين فنفى الله ذلك عنه{[55256]} .

وقال مجاهد : قال رجل من بني فهر{[55257]} : إن في جوفي قلبين ، أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد ، فكذبه الله{[55258]} .

وقال الحسن : كان رجل يقول : لي نفس تأمرني ونفس تنهاني ، فأنزل الله فيه ما تسمعون{[55259]} .

وقال قتادة وعكرمة : كان رجل يسمى ذا القلبين ، فأنزل الله فيه هذه الآية{[55260]} .

وعن قتادة أنه قال : كان رجل لا يسمع شيئا إلا وعاه ، فقال الناس : ما يعي هذا إلا أن له قلبين ، فكان يسمى ذا القلبين فأنزل الله ذلك ونفاه{[55261]} .

وقال الزهري : نزلت في زيد بن حارثة{[55262]} . ضرب الله له مثلا يقول : ليس ابن رجل هو ابنك يا محمد{[55263]} .

وقيل : المعنى ما جعل الله لرجل قلبا يحب به ، وقلبا يبغض به ، وقلبا يكفر به ، وقلبا يؤمن به .

ثم قال : { وما جعل أزواجكم اللائي تظهرون منهن أمهاتكم } .

أي : ولم نجعل أزواجكم بقولكم : هي علي كظهر أمي أمهاتكم ، بل جعل ذلك من قولكم كذبا ، فألزمكم الكفارة عليه عقوبة على كذبكم .

ثم قال تعالى : { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } .

أي : ولم يجعل ابن غيرك هو ابنك بدعواك ذلك وقولك .

ونزل هذا على النبي صلى الله عليه وسلم لأجل تبنيه لزيد بن حارثة ، قاله مجاهد{[55264]} وغيره .

ثم قال : { ذلكم قولكم بأفواهكم } أي : دعواكم يا بني لمن ليس هو ابن لكم قول منكم لا حقيقة له .

{ والله يقول الحق } أي : الصدق .

وقيل : المعنى قولكم لأزواجكم : هي{[55265]} علي كظهر أمي ، قول منكم لا حقيقة له لأنها ليست بأم لكم .

ثم قال : { وهو يهد السبيل } أي : يبين لعباده طريق الحق والرشاد .


[55255]:انظر: جامع البيان 21/118، وأحكام الجصاص 3/353، والمحرر الوجيز 13/46.
[55256]:انظر: جامع البيان 21/118، وأحكام الجصاص 3/353 ، ولباب النقول 175، والدر المنثور 6/561
[55257]:هم بنو فهر بن مالك بطن من كنانة من العدنانية. انظر: معجم قبائل العرب 3/929.
[55258]:انظر: جامع البيان 21/118، وأحكام الجصاص 3/353، وأسباب النزول للواحدي 236، وأحكام ابن العربي 3/1503، والمحرر الوجيز 13/46، ولباب النقول 175، والدر المنثور 6/561، وتفسير مجاهد 546. وهذا الرجل اسمه جميل بن معمر الفهري)
[55259]:انظر: جامع البيان 21/118، وأحكام الجصاص 3/353، ولباب النقول 175، والدر المنثور 6/561
[55260]:انظر: جامع البيان 21/118، ولباب النقول 175، والدر المنثور 6/561
[55261]:انظر: أحكام ابن العربي 3/1503
[55262]:هو زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي، أبو أسامة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. اختطف في الجاهلية صغيرا، واشترته خديجة بنت خويلد، فوهبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، حين تزوجها وهو من أقدم الصحابة إسلاما، استشهد في غزوة مؤتة سنة 8هـ انظر: الاستيعاب 2/542، 843، وصفة الصفوة 1/378، 13، والإصابة 1/563، 2890
[55263]:انظر: الجامع للقرطبي 14/115، وتفسير ابن كثير 3/467
[55264]:انظر: جامع البيان 21/119 وأحكام الجصاص 3/354، وأسباب النزول للواحدي 237، والدر المنثور للسيوطي 6/562
[55265]:في الأصل "هن".