قوله : ( لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُومِنِينَ غَيْرَ أُوْلِي الضَّرَرِ ) الآية [ 94 ] .
من قرأ : غيرَ بالنصب فعلى الاستثناء بمعنى( {[13327]} ) [ إلا ]( {[13328]} ) أولي( {[13329]} ) الضرر ، فإنهم يستوون مع المجاهدين( {[13330]} ) ، ويجوز النصب على الحال بمعنى لا يستوي القاعدون في حال صحتهم( {[13331]} ) .
ومن رفع على النعت للقاعدين بمعنى لا يستوي القاعدون الأصحاء عن الجهاد يوم بدر والمجاهدون .
وقدره أبو إسحاق : ( لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ ) الذين هم ( غَيْرَ أُوْلِي الضَّرَرَ ) ، وهو بمعنى [ الصفة ]( {[13332]} ) التي ذكرنا( {[13333]} )( {[13334]} ) وقرأه أبو حيوة غيرِ مخفوض على النعت للمؤمنين( {[13335]} ) . وقال المبرد : هو بدل لأنه نكرة والأول معرفة( {[13336]} ) .
( دَرَجَةً ) نصب على البدل من قوله ( أَجْراً )( {[13337]} )( {[13338]} ) .
وقيل : إن فيه معنى التأكيد كما تقول علي ألف درهم عرفاً .
ومعنى الآية : لا يعتدل من جاهد في ذات الله ، ومن قعد عن ذلك ، إلا أن يكون القاعدون من أولي الضرر ، فإنه يستوي مع المجاهد . هذا على قراءة النصب ، والنصب في الآية أحسن لما روى البراء( {[13339]} ) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إيتوني بكتف( {[13340]} ) أو لوح فكتب( {[13341]} ) " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون " وعمر بن أم مكتوم خلف ظهره فقال : هل لي من رخصة يا رسول الله ؟ فنزلت ( غَيْرَ أُوْلِي الضَّرَرِ ) على الاستثناء( {[13342]} ) .
وقال زيد بن ثابت : املى( {[13343]} ) علي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
( لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ المُومِنِينَ غَيْرَ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) .
قال : فجاء ابن أم مكثوم وهو يمليها علي فقال : يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت ، قال : فأنزل الله عليه ، وفخذه على فخذه ، فثقلت( {[13344]} ) حتى خشيت أن تسترض( {[13345]} ) فخده [ ثم( {[13346]} ) ] سرى عنه فقال : ( غَيْرَ أُوْلِي الضَّرَرِ )( {[13347]} ) .
وهذا في غزاة بدر ، وقد قال ذلك عطاء وقتادة والسدي والزهري ذكروا أن الاستثناء نزل في ابن أم مكتوم( {[13348]} ) .
قوله : ( فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ) ، أي : فضيلة يريد القاعدين من أولى الضرر ، فضل الله المجاهدين على القاعد( {[13349]} ) للضرر درجة واحدة لجهاده بنفسه وماله ( وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى ) أي : المجاهد والقاعد من أولي الضرر ، وعدهم الله الحسنى ، وهي الجنة لأنهم كلهم مؤمنون .
وذكر الأموال في هذا الموضع( {[13350]} ) ، وتفضيل الذين ينفقونها في سبيل الله يدل على تفضيل الغنى على الفقر ، وهو في القرآن كثير ، فلا يستوي في الفضل من أعطاه الله مالاً ، فأنفقه في سبيله ، ومن لم يعطه الله مالاً ، فود لو كان معه مال( {[13351]} ) فأنفقه في سبيل الله ، لا يستوي [ من نوى ]( {[13352]} ) ففعل ، مع من( {[13353]} ) نوى ولم يفعل ، فقد أنفق عثمان رضي الله عنه على جيش العسرة( {[13354]} ) وبان بفضل ذلك ، وود أصحابه أن يقدروا على مثل فعله . وقد كان أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أيسر من كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأجمع المسلمون أنهم أفضل ممن هو أفقر منهم في ذلك الوقت من الصحابة .
وحديث النبي صلى الله عليه وسلم " إن فقراء أمتي يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم من أيام الآخرة( {[13355]} ) " معناه الفقراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يدخلون الجنة قبل الأغنياء من غير أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لفضل الصحابة لا للفقر .
ويدل على ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل : من أول الناس وروداً الحوض ؟ فقال : " نفر من المهاجرين الشعثة( {[13356]} ) رؤوسهم الدنسة( {[13357]} ) ثيابهم ، الذين لا تفتح لهم السدود( {[13358]} ) ، ولا ينكحون المتنعمات( {[13359]} ) " .
قوله : ( وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) يعني : على القاعدين من المؤمنين من غير أولي الضرر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.