الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

-سورة النساء-

قوله( {[11481]} ) : ( يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ) [ الآية ]( {[11482]} ) .

قوله : ( وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ) يدل على أن( {[11483]} ) الخنثى لابد أن يكون رجلاً أو امرأة ، إذ لم يخلق الله( {[11484]} ) عز وجل من ظهر آدم صلى الله عليه وسلم إلاَّ رجلاً أو امرأة ولا ثالث .

ومن قرأ " الأرحام " بالخفض ، فهو غير جائز عند البصريين ، وقبيح عند الكوفيين ، لأنه عطف ظاهر على مضمر مخفوض( {[11485]} ) .

وقد قيل : إن الخفض على القسم( {[11486]} ) ، وقد قيل : إن المعنى وربّ الأرحام( {[11487]} ) .

وفي واحد الأرحام لغات : رَحِمٌ ورِحِمٌ ، ورَحْمٌ [ ورِحْمٌ ]( {[11488]} ) .

والرحم مؤنثة ، ومعنى الآية : أن الله تعالى نبّه( {[11489]} ) خلقه على قدرته وأمره بتقواه( {[11490]} ) ، والنفس هنا : آدم صلى الله عليه وسلم .

[ وقوله( {[11491]} ) ] : ( وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ) الآية [ 1 ] .

قال مجاهد : خلق حواء عن قصيري( {[11492]} ) آدم وهو نائم ، استيقظ فقال " أثا( {[11493]} ) " بالنبطية : امرأة( {[11494]} ) .

قال السدي : أُسكِنَ آدم الجنة فكان يمشي فيها وحيشاً( {[11495]} ) ليس له زوج يسكن إليها ، فنام نومة فاستيقظ ، فإذا عند رأسه امرأة قاعدة ، خلقها الله تعالى من ضلعه( {[11496]} ) ، فسألها : من أنت ؟ فقالت : امرأة ، قال : ولم خُلقتِ ؟ قالت : لتسكن إليّ( {[11497]} ) .

قال ابن إسحاق : ألقى الله عز وجل على آدم السنة فنام فأخذ ضلعاً من أضلاعه من شقّه الأيسر ، ولأم( {[11498]} ) مكانه لحماً ، فخلق منه حواء ليسكن إليها ، فلما انتبه رآها إلى جنبه فقال : لحمي ودمي ، وزوجي ، فسكن إليها( {[11499]} ) .

وعن ابن عباس أنه قال : إن الله جلّ ذكره خلق آدم صلى الله عليه وسلم بيده سبحانه وتعالى في جنات عدن( {[11500]} ) ، فرأى آدم صلى الله عليه وسلم كل شيء يشبه بعضه بعضاً ، ولم يرَ في الجنة شيئاً يشبهه ، وأحبّ أن يكون معه من يشبهه ليأنس به ، وأحبّ الله عز وجل أن يؤنسه( {[11501]} ) بزوجته ليكون منهما النسل ، فأسبته( {[11502]} ) الله عز وجل ، والجنة لا نوم فيها ، ولا نعاس ولا سبات ، فخلق حواء من ضلع من أضلاعه وهي : القصيري فلما ذهب عنه السبات( {[11503]} ) رأى من يأنس به ، ويشبهه فسمي إنساناً حيث أنس ، فقال لها : ما أنت ؟ قالت : أثا ، وأثا بالسريانية أنثى ، وقيل : معناه امرأة( {[11504]} ) .

قال جماعة من المفسرين : لما خلق الله عز وجل ( وتعالى )( {[11505]} ) آدم صلى الله عليه وسلم ، ألقى عليه النوم ، فلما نام خلق حواء من أحد أضلاعه ، وهو لا يشعر ولا يألم ، فلما انتبه فرآها( {[11506]} ) قال : من هذه ؟ قيل : هي زوجك ، فعطف( {[11507]} ) عليها ، وأحبّها ولو ألمِ لخلْقها لم يحنُ عليها ، ولم يعطف أبداً ، وإنما( {[11508]} ) سمّيت حواء لأنها خلقت من حي .

قال ابن عباس : خلق الرجل من الأرض فجعلت همّته في الأرض ، وخلقت المرأة من الرجل فجعلت همّتها في الرجل ، فاحبسوا نساءكم( {[11509]} ) .

قوله : ( وَبَثَّ مِنْهُمَا [ رِجَالاً ]( {[11510]} ) ) أي : نشر من آدم وحواء خلقاً كثيراً .

ومعنى( {[11511]} ) ( تَسَّاءَلُونَ ) أي : اتقوا الله الذي إذا سأل بعضكم بعضاً سأل به وجعله وسيلة ، يقول السائل أسألك بالله ، أنشدك بالله وشبهه ، فكما تعظمونه بألسنتكم ، عظّموه بالطاعة فيما أمركم به ونهاكم عنه .

وقال الضحّاك : ( تَسَّاءَلُونَ بِهِ ) أي تعاقدون به ، وتعاهدون به( {[11512]} ) .

وقال ابن عباس : ( تَسَّاءَلُونَ بِهِ ) فتتعاطفون به( {[11513]} ) .

( وَالاَرْحَامَ ) أي( {[11514]} ) اتقوا الأرحام ، هذا على قراءة من قرأ بالنصب . ومن قرأ بالخفض . فمعناه : تساءلون به وبالأرحام ( تقولون أسألك بالله وبالرحم ) ( {[11515]} ) .

قال ابن عباس والمعنى : واتقوا الله في الأرحام فصلوها( {[11516]} ) .

( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) أي : حفيظاً محصياً لأعمالكم( {[11517]} ) ومجازيكم( {[11518]} ) عليها .

قال يعقوب : الوقف ( تَسَّاءَلُونَ بِهِ ) على قراءة النصب و " الأرحام " على قراءة الخفض( {[11519]} ) .


[11481]:- (د) قوله تعالى.
[11482]:- ساقط من (ج).
[11483]:- ساقط من (ج) (د).
[11484]:- (أ) إذا لم يخلق بالله.
[11485]:- في الأرحام ثلاث قراءات: (أ) الأرحامُ بالضمّ على أنه مبتدأ، أي: والأرحامُ مما يجب أن تتقوه، وحذف الخبر للعلم به، وهذه قراءة شاذة تنسب لعبد الله بن زيد. (ب) والأرحامَ بالنصب على أنه مفعول به أي: اتقوا الأرحامَ أن تقطعوها، وهي قراءة الجمهور. (ج) الأرحامِ بالكسر عطف على الضمير المجرور بالباء أي: تساءلون به وبالأرحام، وهي قراءة تنسب لعبد الله بن مسعود وحمزة والأعمش وقتادة وإبراهيم، وقد أنكر هذه القراءة الكوفيون والبصريون وسيبويه والمازني والزجاج. انظر: الكتاب 1/391 ومعاني الأخفش 1/430، ومعاني الفراء 1/242 ومعاني الزجاج 2/6 والسبعة 226 وإيضاح الوقف 2/592 وحجة القراءات 188، ومختصر الشواذ 24 والبحر 3/157 والإنصاف 2/430.
[11486]:- هو خطأ عند النحاة. انظر: معاني الزجاج 2/6، وإعراب النحاس والإنصاف 2/467.
[11487]:- انظر: معاني الزجاج 2/6 وإعراب النحاس 1/391 والمحتسب 1/179.
[11488]:- ساقط من (ج).
[11489]:- ينبه.
[11490]:- (د) بتقومه.
[11491]:- ساقط من (أ).
[11492]:- (أ) (ج): عصيري، وهو خطأ والقصيري تصغير القصرى وهو أسفل الأضلاع وما بين الجنب والبطن. انظر: اللسان (قصر) 5/103.
[11493]:- (د): أنا.
[11494]:- انظر: تفسير مجاهد 1/143.
[11495]:- (د) وحشياً.
[11496]:- (أ) ضلعها.
[11497]:- انظر: جامع البيان 4/224.
[11498]:- يقال لأم الشيء: سدّ صدوعه، وأصلح وجمع. انظر: اللسان لأم 12/531 وتاج العروس (لأم) 9/53.
[11499]:- انظر: جامع البيان 4/225.
[11500]:- (د): جنة.
[11501]:- (ج): يونس.
[11502]:- أسبته: أنامه نوماً خفيفاً. انظر: اللسان (سبت) 2/37.
[11503]:- (د): بمنه.
[11504]:- انظر: تفسير مجاهد 1/143.
[11505]:- ساقط من (ج).
[11506]:- (ج): رآها.
[11507]:- (أ): فعطفها.
[11508]:- (أ): ولما.
[11509]:- انظر: الدر المنثور 2/423.
[11510]:- ساقط من (ج) و(د).
[11511]:- انظر: هذا التأويل في: جامع البيان 4/225.
[11512]:- انظر: جامع البيان 4/227، والدر المنثور 2/423.
[11513]:- انظر: المصدر السابق.
[11514]:- ساقط من (أ).
[11515]:- ساقط من (ج).
[11516]:- يعزى للضحاك في جامع البيان 4/227.
[11517]:- (أ): محصياً عمالكم.
[11518]:- (ج): يجازيكم.
[11519]:- اعتبر الأنباري الوقف على "تساءلون به" غير تام واستحسن الوقف على "الأرحام" وخالف بذلك يعقوب والحسن والأخفش في اختيارهم الوقف على "به"، واختار الجمهور الوقف "على الأرحام" سواء قرئ بالنصب أو الجر. انظر: إيضاح الوقف 2/592، والقطع 245.