الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ثَوَابٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ} (195)

قوله : ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمُ ) الآية [ 195 ] .

المعنى : فأجابهم ربهم ( أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلِ مِّنْكُم )( {[11453]} ) عمل خيراً ، روي عن أم سلمة( {[11454]} ) أنها قالت : يا رسول الله ، لا أسمع الله يذكر النساء في الهجرة بشيء ؟ فأنزل الله عز وجل ( أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلِ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ اَوْ اُنْثَى ) أي ذكراً كان أو أنثى( {[11455]} ) .

قال الكوفيون : دخلت ( مِّن ) في قوله ( مِّن ذَكَرٍ ) على التفسير لقوله ( مِّنكُم ) أي : منكم من الذكور والإناث ، قال( {[11456]} ) : وليست من هاهنا يجوز حذفها لأنها دخلت لمعنى لا يصلح الكلام إلا بها وإنما يجوز حذفها إذا كانت تأكيداً للجحد . وقال بعض البصريين : دخلت ( مِّن ) هاهنا كما دخلت في قولك : قد كان من حديث فلان كذا ، قال : وحرف النفي قد تقدم في قوله ( أَنِّي لاَ أُضِيعُ ) قد دخلت للتأكيد( {[11457]} ) ، والأحسن أن تكون من للتفسير كما تقدم .

ومعنى : ( بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ )( {[11458]} ) أن بعضكم في النصر والمذلة والجزاء من بعض أي حكم الجميع الذكر والأنثى سواء ( لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ) أي لأمحونها عنهم ولأسترنها عليه ( ثَوَاباً ) مصدر لأنه كما قال ( وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي ) كان بمعنى لأثيبنهم ثواباً( {[11459]} ) .


[11453]:- (ب) (د): كتبت الآية مرتين.
[11454]:- أم سلمة هي هند بنت حذيفة بن أمية بن المغيرة المخزومية القرشية توفيت 62 هـ. أم المؤمنين مات عنها زوجها أبو سلمة فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم كانت موصوفة بالعقل والرزانة والأناة، انظر: صفة الصفوة 2/40 وأسد الغابة 6/340، والإصابة 4/439.
[11455]:- انظر: مسند الحميدي 1/144، وأسباب النزول 80. [ورواه سعيد بن منصور في سننه 552 والحاكم في الحاكم في المستدرك وقال: على شرط البخاري وأقره الذهبي 2/300 وعبد الرزاق في تفسيره 1/144 والطبري 7/488 [المدقق].
[11456]:- زيادة في كل النسخ والصواب حذفها. [أو تكون: قالوا: أي الكوفيين. المدقق].
[11457]:- انظر: معاني الأخفش 1/428، وإعراب النحاس 1/387 والمغني لابن هشام 353 والبحر 3/143.
[11458]:- (ب) (ج): بعضهم.
[11459]:- ثواباً مصدر مؤكد عند البصريين وقال الكسائي هو منصوب على القطع أي على الحال، وقال الفراء هو منصوب على التفسير، انظر: معاني الفراء 1/251، وإعراب النحاس 1/388.