قوله : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) الآية [ 34 ] .
قال ابن عباس : الرجل أمين على المرأة تطيعه فيما أمرها به ، فهو قائم عليها يقوم بنفقتها ، ومؤنتها ويسوق مهرها ، فهو فضله ( الذي فضله( {[12309]} ) ) الله عز وجل عليها( {[12310]} ) .
وقال السدي : معنى قوله : " قوامون يأخذون على أيديهن ويؤدبوهن( {[12311]} ) . وهذه الآية نزلت في رجل من الأنصار( {[12312]} ) ، لطم امرأته( {[12313]} ) فخوصم ، إلى النبي عليه السلام فقضى لها بالقصاص فأنزل الله عز وجل ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) الآية : فلم يقتص منه ، قاله الحسن وقتادة( {[12314]} ) .
وقيل( {[12315]} ) : إن قوله ( وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَنْ يُّقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ )( {[12316]} ) نزل في أمر الرجال حين جعل عليه القصاص ، وعلى ذلك أهل التفسير( {[12317]} ) .
كان الزهري يقول : ليس بين الرجل ، وامرأته قصاص فيما دون النفس . وروي أن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : ما بال النساء لهن نصيب وللرجال نصيبان ؟ ما بال شهادة امرأتين مثل شهادة رجل ؟ وذكرت أشياء في فضل الرجال ، فأنزل الله عز وجل ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ )( {[12318]} ) .
وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه : قدمتُ الشام ، فرأيت النصارى يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم ، فوقع في نفسي أَنَّا أحق أن نفعل هذا بالنبي فلما قدمت المدينة سجدت له ، فقال ما هذا فأخب( ته( {[12319]} ) ) بما رأيت فقال( {[12320]} ) : " لو كنت آمراً( {[12321]} ) أن يسجد أحد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، والذي نفسي بيده لا تؤدي امرأة حق الله عليها حتى تؤدي حق زوجها " ( {[12322]} ) .
ومعنى : ( بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) الآية [ 34 ] .
أي : بفضل الرجل( {[12323]} ) على النساء ، كانوا قوامين عليهن بما فضل( {[12324]} ) ، هو جودة العقل والتمييز والإنفاق ، وسَوْق المهر والجهاد وجواز الشهادة وغير ذلك ، كله فضل به الرجل على المرأة .
قوله : ( وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنَ اَمْوَالِهِمْ ) أي : " فضل الرجال على النساء بما ذكرنا ، ( وَبِمَا )( {[12325]} ) ساقوا من أموالهم إلى النساء من مهور ونفقة ( فَالصَّالِحَاتُ ) هن( {[12326]} ) المستقيمات لأزواجهن " ( قَانِتَاتٌ ) أي : طائعات لله ولأزواجهن ( حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ ) أي يحفظن أنفسهن عند غيبة أزواجهن [ في فروجهن وأموال أزواجهن .
وقيل( {[12327]} ) : المعنى : طائعات لأزواجهن( {[12328]} ) ] ما غاب عنهم من سرهن وشأنهن .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك . وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك ، في مالك ونفسها " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ ) الآية( {[12329]} ) .
ومعنى ( بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ) أي : يحفظ( {[12330]} ) الله إياهن : أي صيرهن كذلك قال سفيان : لحفظ الله إياها إذ جعلها كذلك( {[12331]} ) .
ومن نصب " الله " وهي قراءة جعفر( {[12332]} ) ، فالمعنى : فيهن( {[12333]} ) يحفظن الله في طاعته ، وأداء حقه فيما لزمهن به في حفظ غيبة أزواجهن ، كقولك للرجل : ما حفظت الله في كذا وكذا والمعنى : بمراقبتهن في حفظ أزواجهن .
وفي قراءة ابن مسعود : بما حفظ الله فأحسنوا إليهن وأجملوا( {[12334]} ) .
والرجل له الحجر على المرأة بنفسها ، وما لها إذا تجاوزت الثلث( {[12335]} ) ولا تفعل( {[12336]} ) شيئاً إلا بإذنه إلا في الفرائض التي( {[12337]} ) فرض الله عليها ، فلا طاعة له عليها في ذلك من الصلوات وإخراج الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان ، هذا مذهب مالك( {[12338]} ) ، وله أن يؤدبها تأديباً غير مبرح .
قوله : ( وَالتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ) الآية [ 34 ] .
" واللاتي " في موضع رفع بالابتداء ، وتقديره عند سيبويه : وفيما يتلى عليكم اللاتي( {[12339]} ) ، والمحذوف : الخبر ، وعند غيره : الخبر : ( فَعِظُوهُنَّ )( {[12340]} ) ، ويجوز أن تكون " اللاتي " في موضع نصب على قول من قرأ : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ )( {[12341]} ) بالنصب( {[12342]} ) .
و( تَخَافُونَ ) عند الفراء( {[12343]} ) وأبو عبيدة( {[12344]} ) بمعنى توقنون وتعلمون ، ( وهو ) على( {[12345]} ) بابه عند غيرهما( {[12346]} ) .
والنشوز هو : امتناع المرأة من فراش زوجها ، والخلاف له فيما يلزمها من طاعته . وأصل النشوز الارتفاع والانزعاج ، فكأنهن ارتفعن عن أداء حق الأزواج ، وطاعتهم يقال : نشزت ونشصت( {[12347]} ) . وقيل : النشوز البغض قاله السدي .
وقال ابن زيد : النشوز المعصية والخلاف . وقال عطاء : النشوز أن تحب فراقه .
وقال ابن عباس : هو أن تستخف بحقه ، ولا تطيع أمره " فعظوهن " أي : خوفوهن ، وذكروهن الله .
وقال ابن عباس : فعظوهن بكتاب الله وبطاعته ، وهو قول الجماعة .
( وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ ) إذا لم يرجعن مع الوعظ فاهجروهن بترك جماعهن ومضاجعتهن .
وقال السدي : وغيره : " يرقد عندها ويوليها ظهره ، ويطؤها ولا يكلمها " ( {[12348]} ) .
روي عن ابن عباس أنه قال : يهجرها في المضجع من غير أن يذكر نكاحاً ، وذلك عليها شديد .
( وقيل : المعنى [ اهجروهن في الكلام حتى يرجعن إلى مضاجعتكم كأنه قال( {[12349]} ) ] : اهجروهن من أجل المضاجع .
وقال ابن عباس الهجران إنما هو في أمر المضجع ، وأنها لو تركت لم تضاجع ، وقال ابن جبير اهجروهن يأتين مضاجعكم( {[12350]} ) ) .
وقال عكرمة وغيره : إنما الهجران بالمنطق( {[12351]} ) ، ويلزم من قال هذا أن يقطع الألف لأنه إنما يقال في هذا المعنى الإهجار ، يقال : أهجر فلان في منطقه إذا تكلم بالقبيح( {[12352]} ) . وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا باتت المرأة مهاجرة لزوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع " ( {[12353]} ) .
وقوله ( وَاضْرِبُوهُنَّ ) أي : إن لم يرجعن بالهجران في المضاجع ، فيضربن ضرباً غيرمبرح ، كذلك قال المفسرون : وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة له " ضرباً غير مبرح " وعنه " ( {[12354]} )غير مؤثر " ( {[12355]} ) .
واختار الطبري في الآية أن يكون المعنى : واضربوهن من أجل المضاجع( {[12356]} ) .
( فَإِنَ اَطَعْنَكُمْ ) إلى ما يجب عليهن ( فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ) أي : فلا تلتمسوا عليهن طريقاً في الظلم ، وهو التعالي عليهن ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً ) المعنى لا تبغوا عليهن العلل فتُعلوا أيديكم عليهن ، فإن الله ذو علم فوقكم وفوق كل شيء ، فأيديكم وإن كانت عالية ، فليس من أجلها علوا تبغوا عليهن ، وتطلبوا العلل فإن الله أعلى يداً وأكبر( {[12357]} ) من كل شيء . وقيل : المعنى : لا تبغوا عليهن سبيلاً لا تكلفوهن الحب لكم إنما لكم عليهن المساعدة في الجماع أما القلب فليس بيدها منه شيء( {[12358]} ) .