الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِـَٔايَٰتِهِۦٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ يَنَالُهُمۡ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوۡنَهُمۡ قَالُوٓاْ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰفِرِينَ} (37)

قوله : { فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا }[ 37 ] الآية .

المعنى : فمن أخطأ فعلا{[23510]} ، { ممن افترى } ، [ أي{[23511]} ] : اختلق على الله الكذب ، فقال إذا فعل فاحشة : الله أمرنا بها . { أو كذب بآياته }[ 37 ] ، أي : بعلاماته{[23512]} الدالة على وحدانيته ، ونبوة أنبيائه{[23513]} . { أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب }[ 37 ] ، أي : حظهم مما كتب لهم من العذاب وغيره في اللوح المحفوظ{[23514]} .

قال{[23515]} السدي : هو ما كتب لهم من العذاب{[23516]} .

وكذلك قال الحسن{[23517]} ، وغيره{[23518]} .

وقال ابن جبير : هو ما سبق لهم من الشقوة والسعادة{[23519]} .

وكذلك قال مجاهد{[23520]} ، وقاله ابن عباس{[23521]} .

[ وعن ابن عباس{[23522]} ] . أيضا : إن المعنى ينالهم نصيبهم مما كتب عليهم من أعمالهم ، إن خيرا فخير ، وإن شرا{[23523]} فشر{[23524]} .

وقال قتادة المعنى : ينالهم في الآخرة نصيهم من أعمالهم{[23525]} التي عملوها في الدنيا{[23526]} .

وقيل المعنى : { ينالهم نصيبهم من الكتاب } الذي كتبه الله عز وجل ، على من افترى عليه{[23527]} .

وعن ابن عباس{[23528]} أنه قال : { ينالهم نصيبهم } ، هو ما قد كتب{[23529]} لمن يفتري على الله أن وجهه مسود{[23530]} .

وقال القرظي{[23531]} المعنى إن : { نصيبهم من الكتاب } هو رزقه ، وعمله{[23532]} ، وعمره{[23533]} .

وكذلك قال الربيع بن أنس{[23534]} .

وكذلك قال ابن زيد{[23535]} .

وقيل المعنى : { ينالهم نصيبهم من الكتاب } ، هو ما كتب عليهم من سواد الوجوه{[23536]} ، وزرقة الأعين ، قال تعالى : { ويوم{[23537]} القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة }{[23538]} .

وقيل : ( المعنى ){[23539]} ، هو ما ينالهم في الدنيا من العذاب ، دون عذاب الآخرة ، من قوله{[23540]} : { ولنذيقنهم من العذاب الادنى [ دون{[23541]} العذاب الاكبر } ، الآية{[23542]} .

وكان الطبري يختار أن يكون المعنى : إنه ما كتب لهم في الدنيا ، من خير وشر ، ورزق عمل وأجل ، قال : ألا ترى أنه تعالى أتبع ذلك بقوله : { حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم }[ 37 ] ، فأخبر بآخر أمرهم بعدما نالهم من : { نصيبهم من الكتاب } ، وهو الرزق ، والعمر ، والأجل ، والخير ، والشر{[23543]} .

وقيل : المعنى ، إنه قوله تعالى : { فأنذرتكم نارا تلظى{[23544]} } ، وقوله : { نسلكه عذابا صعدا }{[23545]} هذا { نصيبهم من الكتاب } ، وهو ينالهم في الآخرة ، ومثله : { إذ الاغلال في أعناقهم والسلاسل }{[23546]} ، ومثله : { في الدرك الاسفل من النار }{[23547]} ، هذا وشبهه من : { نصيبهم من الكتاب } ، الذي ينالهم في الآخرة{[23548]} .

وقوله : { حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم }[ 37 ] .

قال الحسن : هذه وفاة إلى النار{[23549]} .

فيقول لهم الرسل : { أين ما كنتم تدعون من دون الله }[ 37 ] ، هذا /كله في الآخرة ، فيشهدون على أنفسهم بالكفر حينئذ .

وقيل المعنى : إن هؤلاء المفترين ينالهم ما كتب لهم في الدنيا إلى أن يأتيهم{[23550]} { رسلنا } ، يعني : ملك الموت وجنوده{[23551]} { يتوفونهم } ، أي : يستوفون عددهم من الدنيا إلى الآخرة{[23552]} ، { أين ما كنتم تدعون } ، أي : قالت الرسل للكفار : أين الذين كنتم تدعونهم من دون الله وتعبدونهم{[23553]} يدفعون عنكم الآن ما جاءكم من أمر الله ( عز وجل ){[23554]} ؟

{ قالوا ضلوا عنا } ، أي : جاروا{[23555]} ، وأخذوا غير طريقنا وتركونا{[23556]} عند حاجتنا إليهم{[23557]} .

ثم قال الله ( تعالى ){[23558]} : { وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين }[ 37 ] ، أي : عند الموت .


[23510]:في الأصل: فعلى، وهو تحريف، وجامع البيان 12/408، تمام الكلام فيه: "وأجهل قولا، وأبعد ذهابا عن الحق والصواب".
[23511]:زيادة من ج.
[23512]:في الأصل: بعلامته، وأثبت ما في ج، إذ هو الأنسب مع السياق.
[23513]:تمامه في جامع البيان 12/408: "فجحد حقيقتها ودافع صحتها".
[23514]:جامع البيان 12/408، بتصرف يسير.
[23515]:في ج: وقال.
[23516]:جامع البيان 12/409، وتفسير الماوردي 2/221، بزيادة في لفظه، وتفسير البغوي 3/227، وتفسير الخازن 2/85، بزيادة في لفظه.
[23517]:التفسير 1/376، وجامع البيان 12/409، وتفسير الماوردي 2/221، وتفسير البغوي 3/227، وتفسير الخازن 2/85، والبحر المحيط 4/296، والدر المنثور 3/451.
[23518]:عكرمة وأبو صالح في جامع البيان 12/408،409، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1474، وزاد المسير 3/193، والدر المنثور 3/1451، وفتح القدير 2/234.
[23519]:جامع البيان 12/409، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1474، وتفسير البغوي 3/227، والمحرر الوجيز 2/397، وتفسير القرطبي 7/130، وتفسير الخازن 2/85، والبحر المحيط 4/296، وفيه: "ولا يناسب هذا التفسير الجملة التي بعدها".
[23520]:جامع البيان 12/409، وتفسير البغوي 3/227، والمحرر الوجيز 2/397، وتفسير الخازن، 2/85، والبحر المحيط 4/296، والدر المنثور 3/451، بلفظ: "قال: ما سبق من الكتاب".
[23521]:جامع البيان 12/410، وتفسير الماوردي 2/221، والمحرر الوجيز 2/397، والبحر المحيط 4/296، والدر المنثور 3/450، وفتح القدير 2/234.
[23522]:زيادة من ج.
[23523]:في الأصل: وإن شر، وهو خطأ ناسخ، انظر الكتاب: 1/259.
[23524]:في ج: "إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا"، قال سيبويه، الكتاب 1/258، باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره بعد حرف،: "ومن العرب من يقول: إن خنجرا فخنجرا، وإن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا،... والرفع أكثر وأحسن في الآخرة؛...."، وانظر: تمام كلامه ففيه فوائد جمة. والأثر ورد بألفاظ مختلفة في جامع البيان 12/411، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1473، وزاد المسير 3/193، وتفسير ابن كثير 2/212، والدر المنثور 3/450، وفتح القدير 2/234.
[23525]:في ج: نصيبهم من أعمالهم، أي: ما عملوا في الدنيا.
[23526]:تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/228، جامع البيان 12/411، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1474، وتفسير الماوردي 2/221.
[23527]:جامع البيان 12/413.
[23528]:في ج: هو ما قد كتب لهم لمن يفترى.
[23529]:في ج: هو ما قد كتب لهم لمن يفترى.
[23530]:جامع البيان 12/413.
[23531]:في الأصل "القرضوا"، وهو تحريف لا معنى له. وهو: محمد بن كعب القرظي، ولد سنة أربعين على الصحيح. قال العجلي: مدني تابعي ثقة، رجل صالح عالم بالقرآن، وقال عون بن عبد الله: ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن منه، روى له الستة، توفي سنة 120هـ. انظر: تهذيب التهذيب 3/284.
[23532]:في ج: وهو عمله.
[23533]:جامع البيان 12/413، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1474، وتفسير البغوي 3/227، وزاد المسير 3/193، وتفسير الخازن 2/86، وتفسير بن كثير 2/212، وفيه: "وهذا القول قوي في المعنى والسياق"، والدر المنثور 3/451.
[23534]:جامع البيان 12/413، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1471، والدر المنثور 3/451، بلفظ: "مما كتب لهم من الرزق"، وتفسير الماوردي 2/221، وزاد المسير 3/193، وتفسير ابن كثير 2/212. والربيع، هو: الربيع بن أنس البكري، أخذ عن أنس بن مالك وأبي العالية والحسن البصري، وعنه الأعمش ومقاتل ابن المبارك وغيرهم، وتوفي سنة 40هـ. انظر: تهذيب التهذيب 1/589، وتقريب التهذيب 146.
[23535]:جامع البيان 12/414، بزيادة: "فإذا فني هذا جاءتهم رسلنا...."، وتفسير الماوردي 2/221، وزاد المسير 3/193، وتفسير الخازن 2/86، وتفسير ابن كثير2/212.
[23536]:في الأصل: الوجه، وأثبت ما في ج، ومعاني القرآن للفراء 1/378.
[23537]:الزمر: آية 57.
[23538]:معاني القرآن للفراء 1/378. وفي تفسير هود بن محكم الهواري 2/16: "وقال الكلبي: {نصيبهم من الكتاب}، أي: أن الله قضى أنه من افترى عليه سود وجهه"،. ثم ساق الآية. وفي تفسير البغوي 3/227، وتفسير الخازن 2/85، "قال الحسن والسدي: ما كتب لهم من العذاب، وقضى عليهم من سواد الوجوه، وزرقة العيون". وقد سلف تفسيره منسوبا إلى ابن عباس.
[23539]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23540]:في معاني القرآن للفراء 1/378: "فيكون من قوله...".
[23541]:زيادة من ج.
[23542]:السجدة: 21، وتمام الآية: {لعلهم يرجعون}، والأثر في معاني القرآن للفراء 1/378، بدون نسبة.
[23543]:انظر: جامع البيان 12/414، ففيه إيضاح لما أوجزه مكي هنا.
[23544]:الليل: 14.
[23545]:الجن: 17. وقبلها: {ومن يعرض عن ذكر ربه...}.
[23546]:غافر: 71.
[23547]:النساء: 144. ومستهلها: {إن المنافقين....}.
[23548]:معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/334، 335.
[23549]:تفسير هود بن محكم الهواري 2/16. وفي تفسير الحسن المطبوع 1/377: "عن الحسن في قوله: {حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم}، قال: يتوفونهم بالحشر إلى النار يوم القيامة".
[23550]:جامع البيان 12/414، 415، بتصرف.
[23551]:جامع البيان 12/415.
[23552]:المصدر نفسه.
[23553]:في الأصل: "يعبدونهم" وهو تصحيف.
[23554]:جامع البيان 12/415، بتصرف. وما بين الهلالين ساقط من ج.
[23555]:في الأصل: جاوزوا، وهو تصحيف.
[23556]:في الأصل: وتركونوا، هو تحريف لا معنى له.
[23557]:جامع البيان 12/415.
[23558]:ما بين الهلالين ساقط من ج.