الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَٰكُمۡ ثُمَّ صَوَّرۡنَٰكُمۡ ثُمَّ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ لَمۡ يَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ} (11)

قوله : { ولقد خلقناكم ثم صورناكم }[ 12 ] الآية .

قوله : { ثم صورناكم }{[23020]} .

قال الأخفش{[23021]} ، وقطرب{[23022]} : { ثم } هنا بمعنى " الواو " {[23023]} .

ومنع ذلك{[23024]} سائر البصريين{[23025]} . والمعنى عندهم فيه : ولقد ابتدأنا خلق آدم ، ثم صورناه ، { ثم قلنا للملائكة اسجدوا }[ 12 ] له بعد تمام خلقه . ودليله قوله تعالى : { كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن{[23026]}[ فيكون ] }{[23027]} آل عمران آية [ 58 ] .

وقيل المعنى : { ولقد خلقناكم } أيها الناس في ظهر آدم{[23028]} ، { ثم صورناكم } ، يعني ذريته ، في أرحام النساء في صورة آدم{[23029]} .

قاله ابن عباس وغيره{[23030]} .

وقال السدي{[23031]} المعنى : { ولقد خلقناكم } ، أي : خلقنا آدم ، { ثم صورناكم } يعني : ذريته في الأرحام{[23032]} .

وأخبر عن خلق آدم بلفظ الجماعة ؛ لأنه الأصل/للجميع ، فكأن ( خلقه ){[23033]} خلق الجميع{[23034]} .

والعرب تجعل مخاطبة الرجل مخاطبة لآبائه{[23035]} المعدومين ، ومنه قول الله تعالى عز وجل : { وإذ{[23036]}أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور }{[23037]} ، البقرة [ 62 ] فالخطاب لمن كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم{[23038]} ، والمراد به من تقدم من آبائهم . فكذلك هذا الخطاب للمؤمنين ، والمراد به الخبر{[23039]} عن أبيهم آدم{[23040]} ، صلوات الله عليه{[23041]} . وكذلك قال قتادة{[23042]} .

وقال عكرمة{[23043]} المعنى : { ولقد خلقناكم } أيها الناس نطفا في أصلاب آبائكم ، { ثم صورناكم } في الأرحام{[23044]} .

وكذلك روى سفيان{[23045]} عن الأعمش{[23046]} أنه فسره كذلك{[23047]} .

وقال مجاهد المعنى : { ولقد خلقناكم } يعني : آدم ، { ثم صورناكم }{[23048]} بعد ذلك في البطون{[23049]} .

واختار الطبري ، قول من قال : ( معناه ){[23050]} : ولقد خلقنا أباكم{[23051]} آدم ثم صورناه{[23052]} .

قال : لأن بعده : { ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } ، ومعلوم أن الله ( تعالى ) قد أمر الملائكة بالسجود لآدم ( عليه السلام ){[23053]} ، قبل أن يصور أحدا{[23054]} ، من ذريته في بطون أمهاتهم{[23055]} .

و{ ثم } للتراخي فيما بين ما بعدها وما قبلها{[23056]} .

وقال بعض أهل النظر : إن في الكلام تقديما وتأخيرا{[23057]} ؛ وإن ترتيبه : ولقد خلقناكم ، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، ثم صورناكم{[23058]} .

وهذا بعيد عند النحويين ؛ لأن " ثم " لا يجوز أن يراد بها التقديم على ما قبلها من الخبر{[23059]} . فقد{[23060]} أنكر هذا القول النحاس{[23061]} ، وغيره .

وقوله : { ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم }[ 12 ] .

فعل تعالى ذلك بعد خلق آدم ( عليه السلام ){[23062]} ابتلاء منه لهم ، واختبارا لتتم مشيئته{[23063]} التي تقدمت في إبليس ، فيعلم ذلك طاهرا وظهورا{[23064]} يجب عليه العقاب ( لهم ){[23065]} والثواب ، فسجد جميعهم إلا إبليس .

وقال{[23066]} ابن عباس : كان إبليس من أشراف الملائكة ، وكان خازنا على الجنان ، وكان له سلطان سماء الدنيا ، وسلطان الأرض ، فعصى ، فمسخه الله ( سبحانه ){[23067]} شيطانا رجيما{[23068]} .

قال ابن جريح{[23069]} : ومن يقل من الملائكة إني إله{[23070]} من دونه ، لم يقله إلا إبليس دعا إلى عبادة نفسه ، فنزلت هذه الآية{[23071]} .

قال قتادة : { ومن يقل منهم إني إله [ من دونه{[23072]} ] } ، هذه الآية خاصة لعدو الله إبليس ( اللعين ){[23073]} لما قال ما{[23074]} قال ، لعنه الله وجعله{[23075]} رجيما{[23076]} .

قال ابن عباس : لما قتل إبليس الجن الذين عصوا الله ( عز وجل ){[23077]} في الأرض ، وشردهم{[23078]} ، أعجبته نفسه ، فلذلك [ امتنع ]{[23079]} من السجود واستكبر على ربه [ سبحانه ]{[23080]} .


[23020]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23021]:هو: سعيد بن مسعدة المجاشعي، المعروف بالأخفش الأوسط، أحد نحاة البصرة، أخذ عن سيبويه. توفي سنة 215هـ. انظر: طبقات اللغويين والنحويين72-74، ووفيات الأعيان 2/380،381.
[23022]:هو: محمد بن المستنير، النحوي اللغوي البصري، أو علي، المعروف بقطرب، أخذ عن سيبويه وجماعة من علماء البصرة توفي سنة206هـ. انظر: طبقات اللغويين والنحويين 99، 100، ووفيات الأعيان 4/312، 313.
[23023]:معاني القرآن للأخفش 1/321، وتفسير الماوردي 2/203، والمحرر الوجيز 2/378، وزاد المسير 3/173، وتفسير القرطبي 7/109، وفتح القدير 2/191.
[23024]:في ج، ومنع من ذلك.
[23025]:في الأصل: المصريين، وهو تحريف. وفي معاني القرآن للزجاج 2/321: "زعم الأخفش أن "ثم" ههنا في معنى الواو، وهذا خطأ لا يجيزه الخليل وسيبويه وجميع من يوثق بعربيته"، وفي المحرر الوجيز 2/378: "رد عليه نحويو البصرة". وانظر القول في "ثم" في جامع البيان 12/321، 322.
[23026]:ما بين الهلالين ساقط من ح.
[23027]:ومستهل الآية: {إن مثل عيسى عند الله...} انظر: معاني القرآن للزجاج 2/321، 322.
[23028]:في جامع البيان 12/317: "في ظهر آدم، أيها الناس".
[23029]:جامع البيان 12/317، بتصرف يسير.
[23030]:انظر: جامع البيان 12/318، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1442، وزاد المسير 3/172، وتفسير القرطبي7/109، وتفسير الخازن 2/74، والدر المنثور3/424.
[23031]:هو: إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير القرشي الكوفي، أبو محمد صاحب التفسير، روى عن أنس وابن عباس وطائفة. صدوق يهم، ورمي بالتشيع توفي سنة 127 هـ. انظر: تهذيب التهذيب 1/158، 159، وطبقات الداوودي 1/110.
[23032]:جامع البيان 12/318، وتفسير البغوي 3/216. وانظر رد ابن كثير 2/203، على هذا التأويل.
[23033]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23034]:في الأصل: "للجميع" وكتب فوقها: "للعجم" وهو وهم ناسخ.
[23035]:في الأصل: "لا بايد" ولا معنى لها.
[23036]:في الأصل، وج ولقد أخذنا، وهو تحريف.
[23037]:البقرة: 62. وابتداء من كلمة: المعدومين إلى نهاية الآية، لحق في ج.
[23038]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23039]:في الأصل: الخير وهو تصحيف.
[23040]:انظر: جامع البيان 12/321، والبحر المحيط 4/272، وتفسير ابن كثير 2/203.
[23041]:في ج: صلى الله عليه وسلم.
[23042]:أي كقول السدي المتقدم، كما في جامع البيان 12/318، 319، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1442، وتفسير البغوي 3/216، والمحرر الوجيز 2/378 والبحر المحيط 4/272 والدر المنثور 3/424، وقد تعقبه ابن كثير 2/203.
[23043]:هو: عكرمة البربري، أبو عبد الله المدني، مولاه ابن عباس، روى عن مولاه وعائشة وآخرين، ثقة ثبت عالم بالتفسير، توفي سنة 104هـ. انظر: تهذيب التهذيب 3/134، وطبقات الداوودي 1/386.
[23044]:جامع البيان 12/319، وتفسير ابن حاتم 5/1442، وتفسير الماوردي 2/202، وتفسير البغوي 3/216، وزاد المسير 3/172، والبحر المحيط 4/272.
[23045]:هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، صاحب التفسير، ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة. توفي سنة161هـ. انظر: تقريب التهذيب 184، وطبقات الداوودي 1/193-196.
[23046]:هو: سليمان بن مهران الأسدي الكوفي، أو محمد الأعمش، ثقة حافظ عارف بالقراءات ورع لكنه يدلس، توفي سنة 148هـ. انظر: معرفة القراء الكبار 1/94-96، وتقريب التهذيب 195.
[23047]:جامع البيان 12/319، وتفسير ابن حاتم 5/1442، والبحر المحيط 4/272، وتفسير ابن كثير 2/203، وفيه: "رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه".
[23048]:في ج، أي: في ظهر آدم.
[23049]:هذا الأثر منسوب إلى معمر بن راشد في تفسير الماوردي 2/203، والمحرر الوجيز 2/378، وزاد المسير 3/173. وليس الأمر كذلك، وإنما نقله معمر عن رجل لم يصرح باسمه، فقد أخرجه الطبري في جامع البيان 12/320 بسنده، قال: "حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عمن ذكره قال....". وفي البحر المحيط 4/272: "وقال معمر بن راشد حاكيا عن بعض أهل العلم...". ومعمر هو: معمر بن راشد الأزدي البصري، نزيل اليمن أبو عروة، ثقة ثبت فاضل. توفي سنة 154هـ. انظر: تقريب التهذيب 473.
[23050]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23051]:في الأصل: "آباكم"، وهو تحريف، والتصويب من ج وجامع البيان 12/321.
[23052]:جامع البيان 12/321.
[23053]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23054]:في الأصل: أحد، وهو خطأ ناسخ.
[23055]:انظر: كلام الطبري بتمامه في جامع البيان 12/321، فقد تصرف فيه مكي تصرفا بينا.
[23056]:انظر: جامع البيان 12/321، 322، ففيه كلام نفيس عن: "ثم"، لم ينقله مكي هاهنا رغبة منه في الاختصار.
[23057]:في جامع البيان 12/322: "وقد وجه بعض من ضعفت معرفته بكلام العرب ذلك إلى أنه من المؤخر الذي معناه التقديم...".
[23058]:جامع البيان 12/322، وتفسير الماوردي 2/203، وتفسير القرطبي 7/109.
[23059]:تمام القول في هذه المسألة في جامع البيان 12/322.
[23060]:في ج: وقد أنكر.
[23061]:في كتابه معاني القرآن ورقة (124ب)، طبقا لما أورده محقق إعراب القرآن 2/116. والنحاس هو: أحمد بن محمد، النحوي المصري، أبو جعفر، له تصانيف مفيدة، منها: معاني القرآن، وإعراب القرآن، أخذ عن أبي إسحاق الزجاج وغيره، توفي سنة338هـ. انظر طبقات الزبيدي 220، ووفيات الأعيان 1/99.
[23062]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23063]:في الأصل: مشيته هو تحريف.
[23064]:كذا في الأصل، طاهرا وظهورا وفي ج، طمس بفعل الأرضة. ولم أهتد إلى صحة العبارة مع كثرة المحاولة.
[23065]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23066]:في ج: قال.
[23067]:ا بين الهلالين ساقط من ج.
[23068]:اختصر مكي، رحمه الله، في هذا النص أثرين مرويين عن ابن عباس، الأول عن ابن جريج، والثاني عن صالح مولى التوأمة. ينظر جامع البيان 1/262 و264.
[23069]:هو: عبد الملك بن عبد العزيز، بن جريح، أبو الوليد، الرومي الأموي مولاهم، المكي، المفسر، ثقة فقيه فاضل، وكان يدلس ويرسل. توفي سنة 150هـ. انظر تقريب التهذيب 304، وطبقات الداوودي 1/358، 359، والرسالة المستطرفة 34.
[23070]:في الأصل: الله، وأثبت ما في ج، وتفسير ابن جريج 222.
[23071]:قوله: "فنزلت هذه الآية"، يوهم في هذا السياق، أنه يقصد الآية موضوع التفسير، وليس الأمر كذلك، فالآية المشار إليها هنا، هي قوله تعالى: {ومن يقل منهم إني إله من دونه}، الأنبياء: 29. انظر: تفسير ابن جريج 222.
[23072]:في الأصل: الله، وهو تحريف.
[23073]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23074]:في الأصل: ما، لحق بين السطرين.
[23075]:في ج: "ويجعله الله...".
[23076]:انظر: جامع البيان 9/18، 19، وتفسير البغوي 5/315. وهذا الأثر والذي قبله يعضدان تأويل ابن عباس السابق عليهما.
[23077]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23078]:في الأصل: "وشددهم" بشين معجمة، ودالين مهملتين، وف ج، "وبددهم" بباء موحدة ودالين مهملتين، ورسمت فوقها علامة التصحيح: (صح)، بمعنى "شردهم"، وصحح به تحريف الأصل. و"بددهم" صحيح أيضا من حيث المعنى، وإن لم يصح من حيث النقل. والله أعلم.
[23079]:من ج.
[23080]:ما بين الهلالين ساقط من ج.