الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ} (60)

ثم حض{[27688]} المؤمنين على أن يُعِدوا لهؤلاء الذين خيف منهم نقض العهد ما استطاعوا { من قوة }[ 60 ] .

أي : من الآلات التي تكون قوة في الحرب مثل : السلاح ، والنبل{[27689]} ، والخيل{[27690]} . و " القوة : الرمي " ، روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم{[27691]} .

قال عكرمة : { من قوة } : الحصون{[27692]} .

وقال مجاهد : { من قوة } : ذكور الخيل{[27693]} ، { ومن رباط الخيل }[ 60 ] : إناثها{[27694]} .

قوله : { ترهبون به عدو الله }[ 60 ] .

أي : تخيفونهم به{[27695]} .

وروي : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " ألا إن القوة الرمي " ، وأعادها ثلاثا{[27696]} .

قال عكرمة : [ القوة ]{[27697]} : ذكور الخيل ، ورباطها : إناثها{[27698]} .

قال عقبة بن عامر الجهني{[27699]} : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يُدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة : صانعه{[27700]} يحتسب في صنعته الخير{[27701]} ، والرامي به{[27702]} ، ومنبله ، فارموا واركبوا ، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا{[27703]} ، وليس اللهو إلا ثلاثة{[27704]} : تأديب الرجل فرسه ، وملاعبته امرأته ، ورميه بقوسه ونبله . ومن ترك الرمي من بعد ما علمه فإنه نعمة كفرها أو كفر بها{[27705]} .

قال أبو نجيح السلمي{[27706]} : حاضرنا{[27707]} قصر الطائف فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " من رمى بسهم في سبيل الله ، فهو له عدل رقبة ، ومن شاب شيبة في الإسلام فهو له عدل{[27708]} محرر من النار " {[27709]} .

وقال النبي{[27710]} صلى الله عليه وسلم " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة : الآجر والمغنم " ، رواه عروة البارقي عنه{[27711]} ، وكذلك رواه أبو هريرة{[27712]} وابن عمر{[27713]} .

وروى أنس بن مالك عنه أنه قال : " البركة في نواصي الخيل " {[27714]} .

وروى عنه أبو هريرة أنه قال : " من احتبس فرسا في سبيل الله ، إيمانا بالله ، وتصديقا بوعد الله ، كان شِبعه{[27715]} وريه{[27716]} وبوله وروثه{[27717]} حسنات في ميزانه يوم القيامة " {[27718]} .

قوله : { وآخرين من دونهم لا تعلمونهم }[ 60 ] .

يعني بهم : بني قريظة{[27719]} .

قال السدي : هم أهل فارس{[27720]} .

وهذان القولان يردهما{[27721]} علم المؤمنين ببني قريظة وبفارس ، وقد قال تعالى : { لا تعلمونهم }{[27722]} .

وقال ابن زيد : هم المنافقون لا تعلمونهم ؛ لأنهم [ معكم ]{[27723]} ، يقولون : لا إله إلا الله ، لا يعلمهم إلا الله{[27724]} .

وهذا قول حسن موافق لقوله : { لا تعلمونهم } ، فالله هو المطلع على سرائرهم{[27725]} .

وقيل : هم الجن{[27726]} .

وهو اختيار الطبري{[27727]} .

وهو أحسن الأقوال ، لما روي أن الجن تفر من صهيل الخيل{[27728]} .

وروي : أن الجن لا تقرب دارا فيها{[27729]} فرس ، وأيضا : فإنا لا نعلمهم{[27730]} ، كما قال عز وجل .

روى ابن مِقسم{[27731]} : أن رجلا أتى ابن عباس ، فشكا إليه ابنته تُعترى{[27732]} ، فقال له : ارتبط{[27733]}فرسا ، إن كنت ممن يركب الخيل وإلا فاتخذه{[27734]} ، فإن الله جل اسمه ، يقول : { وأعدوا ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم }[ 60 ] ، فإن الجن من الذين لا تعلمونهم ، ففعل الرجل ما أمره ، فانصرف عن ابنته العارض .

وقوله : { وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف{[27735]} إليكم }[ 60 ] .

أي : لا يضيع ( لكم ){[27736]} عند الله/أجره في الآخرة ، ولا خَلَفه{[27737]} في الدنيا{[27738]} .

قوله : { وآخرين }[ 60 ] .

منصوب على معنى { وأعدوا لهم } : وتوقوا{[27739]} آخرين ، فلا تقف على ما قبله على هذا{[27740]} .

ويجوز أن يكون نصبه بإضمار فعل غير هذا ، فتبتدئ به إن شئت{[27741]} .

وإن جعلته معطوفا{[27742]} على : { عدو الله وعدوكم }[ 60 ] ، أي : وترهبون آخرين ، لم تقف أيضا قبله{[27743]} .

{ لا تعلمونهم } وقف{[27744]} .


[27688]:في الأصل: خص، بخاء معجمة، وهو تصحيف. وفي "ر": حص، بصاد مهملة، وهو تصحيف أيضا.
[27689]:النبل: السهام العربية، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها، وقد جمعوها على: نبال، وأنبال. المختار / نبل.
[27690]:انظر: جامع البيان 14/31. وفي إعراب القرآن للنحاس 2/194: "كل ما تعده لصديقك من خير أو لعدوك من شر فهو داخل في عددك" ولمزيد بيان انظر: أحكام ابن العربي 2/872، وتفسير القرطبي 8/24.
[27691]:سيأتي، مع تخريجه.
[27692]:جامع البيان 14/34، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1722.
[27693]:تفسير ابن أبي حاتم 5/1722، وزاد: وروي عن عكرمة مثل ذلك، والدر المنثور 4/84.
[27694]:تفسير ابن أبي حاتم 5/1722، والدر المنثور 4/84. وهو تفسير الفراء في معاني القرآن 1/416.
[27695]:قال أبو عبيدة في مجاز القرآن 1/249: "...أي: تخيفون وترعبون: أرهبته ورهبته سواء، والرَّهب والرُّهب واحد".
[27696]:أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب: فضل الرمي والحث عليه وذم من علمه ثم نسيه، رقم 3541، وأحمد في مسنده رقم 16791.
[27697]:زيادة لازمة في مصادر التوثيق أسفله.
[27698]:تفسير ابن أبي حاتم 5/1722، والدر المنثور 4/83، وفتح القدير 2/367، وضعفه ابن عطية في المحرر 2/545. قال الطبري في جامع البيان 14/37: "والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أمر المؤمنين بإعداد الجهاد وآلة الحرب وما يتقوّون به على جهاد عدوه وعدوهم من المشركين، من السلاح والرمي وغير ذلك، ورباط الخيل، ولا وجه لأن يقال: عني بـ"القوة"، معنى دون معنى من معاني "القوة"، وقد عمّ الله الأمر بها".
[27699]:صحابي مشهور، أبو حماد، كان فقيها فاضلا، مات في قرب الستين. روى له الستة. تقريب التهذيب 334.
[27700]:في المخطوطتين: صانعة، بالتاء المثناة، وهو تصحيف.
[27701]:احتسب الأجر على الله: ادخره عنده لا يرجو ثواب الدنيا، والاسم: الحسبة بالكسر. المصباح / حسب.
[27702]:في الأصل: والرمي، وهو تحريف.
[27703]:في الأصل: أن ترموا، مكررة، وهو سهو ناسخ. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره 2/321: "وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الرمي أفضل من ركوب الخيل، وذهب الإمام مالك إلى أن الركوب أفضل من الرمي، وقول الجمهور أقوى للحديث". قال أبو بكر ابن العربي في أحكامه 2/873: "وقد شاهدت القتال مرارا فلم أر في الآلة أنجع من السهم، ولا أسرع منفعة منه".
[27704]:كذا في المخطوطتين. وفي مصادر التخريج أسفله.
[27705]:أخرجه أحمد في مسنده، رقم 16683، و16697، و16699، والترمذي في سننه في كتاب فضائل الجهاد، باب: ما جاء في فضل الرمي.
[27706]:هو: عمرو بن عبسة بن عامر، السلمي، أبو نجيح، صحابي مشهور، أسلم قديما، انظر: الاستيعاب 3/271. ومصادر ترجمته هناك، وهو مترجم في تقريب التهذيب 361.
[27707]:في الأصل: حاضرنا، بضاء معجمة، وهو تصحيف. وفي ر، خاضرنا، بخاء وضاء معجمتين، وهو تصحيف أيضا.
[27708]:في المخطوطتين: عبد، وهو تحريف.
[27709]:صحيح الجامع الصغير 2/1075، رقم: 2268، من دون: "ومن شاب...".
[27710]:ما بين الهلالين ساقط من "ر".
[27711]:أخرجه البخاري في الجهاد، باب: الجهاد ماض مع البر والفاجر، رقم 2697. وعروة هو: عروة بن الجعد، البارقي صحابي، قاضي الكوفة، انظر: الإصابة 5/96، وهو مترجم في تقريب التهذيب 329.
[27712]:صحيح الجامع الصغير 1/633، رقم 3354.
[27713]:أخرجه البخاري في الجهاد، باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، رقم 2694، ومسلم في كتاب الإمارة، باب الخيل في نواصيها الخير.
[27714]:أخرجه البخاري في الجهاد، باب: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، رقم 2696، ومسلم في كتاب الإمارة، باب: الخيل في نواصيها الخير.
[27715]:من باب طرب، انظر: المختار / شبع.
[27716]:روي من الماء، بالكسر روى بوزن رضا، و:ريا بكسر الراء وفتحها، وارتوى، وتروى، كله بمعنى المختار / روي.
[27717]:والأرواث، واحدته: الروثة، وقد راث الفرس من باب قال: المختار /روث.
[27718]:أخرجه البخاري في الجهاد، باب: من احتبس فرسا، رقم 2698.
[27719]:وهو قول مجاهد كما في تفسيره المطبوع 357، وجامع البيان 14/36، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1723، وتفسير ابن كثير 2/322، والدر المنثور 4/97.
[27720]:جامع البيان 14/36، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1724، وتفسير ابن كثير 2/322، والدر المنثور 4/98.
[27721]:في الأصل: يريدهما، وهو تحريف.
[27722]:ما أوجزه مكي هاهنا، يوضح بما في جامع البيان 14/37. وقال الشوكاني في فتح القدير 2/366: "...والأولى الوقف في تعيينهم، لقوله: {لا تعلمونهم الله يعلمهم}.
[27723]:زيادة يقتضيها السياق من مصادر التوثيق أسفله.
[27724]:جامع البيان 14/36ن وتفسير ابن أبي حاتم 5/1724، والدر المنثور 4/97، دون قوله: "لا يعلمهم إلا الله"، وتمام الأثر فيها: "ويغزون معكم".
[27725]:قال الحافظ ابن كثير في تفسيره 2/322، "وهذا أشبه الأقوال، ويشهد له قوله تعالى: {وممن حولكم من الاعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم}،[التوبة آية: 102].
[27726]:هو من غير عزو في جامع البيان 14/37، وتفسير البغوي 3/373، وفتح القدير 2/366. وهو مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم، في تفسير ابن أبي حاتم 5/1732، وزاد المسير 3/375، وتفسير ابن كثير 2/322، والدر المنثور 4/97. قال الحافظ ابن كثير، المصدر فوقه: "...وهذا الحديث منكر لا يصح إسناده ولا متنه". انظر: هامش محقق الكشاف 2/221، طبعة دار إحياء التراث العربي.
[27727]:جامع البيان 14/38، بلفظ: "...ولكن معنى ذلك إن شاء الله: ترهبون بارتباطكم، أيها المؤمنون، الخيل عدو الله، وأعدائكم من بني آدم، الذين قد علمتم عداوتهم لكم لكفرهم بالله ورسوله، وترهبون بذلك جنسا آخر من غير بني آدم لا تعلمون أماكنهم وأحوالهم، الله يعلمهم دونكم؛ لأن بني آدم لا يرونهم". قال الشيخ محمود شاكر في هامش تحقيقه: "وهذا الذي قاله الطبري، رده العلماء من قوله، وحق لهم. ولآية عامة لا أدري كيف يخصصها أبو جعفر، بخبر لا حجة فيه". انظر: المحرر الوجيز 2/546، 547، وتفسير القرطبي 8/26، والبحر المحيط 4/508، وتفسير مبهمات القرآن للبلنسي 1/527.
[27728]:قال الحافظ ابن حجر في تخريجه: لم أجده. الكشاف 2/221. ولفظه: "إن صهيل الخيل يرهب الجن".
[27729]:في الأصل: فيه، والدار مؤنثة، انظر: جمل الزجاجي 293، باب ما يؤنث من غير أعضاء الحيوان ولا يجوز تذكيره، والقصيدة الموشحة بالأسماء المؤنثة السماعية 76.
[27730]:في الأصل: تعلمهم، بالتاء المثناة من فوق، وهو تصحيف.
[27731]:هو: محمد بن الحسن، أبو بكر، ابن مِقسم البغدادي، المقرئ النحوي. من آثاره: الأنوار في علم القرآن و:المصاحف، و:الوقف والابتداء و:الاحتجاج في القراءات، توفي سنة 354هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 16/105-107، ومصادر ترجمته هناك.
[27732]:مطموسة في "ر"، بفعل الأرضة والرطوبة. وعراه الأمر يعروه عروا، واعتراه: غشيه وأصابه. انظر: اللسان / عرا.
[27733]:ربط الدابة يربطها ويربُطها ربطا وارتبطها. اللسان / ربط.
[27734]:اتخذ يتخذ اتخاذا: كسب، انظر: اللسان / أخذ.
[27735]:في الأصل: يوفى، وهو تحريف.
[27736]:ما بين الهلالين ساقط من "ر".
[27737]:في الأصل، تلفه، بتاء مثناة من فوق وهو تحريف. والخَلَف، بفتح الخا المعجمة واللام، العوض والبدل مما أخذ أو ذهب. تقول: أعطاه الله خلفا، ولا تقل خلْفا. انظر: اللسان / خلف. وفي المصباح/خلف: "...تقول العرب أيضا: خلف الله لك بخير وخلف عليك بخير يخلف، بغير ألف".
[27738]:هو تفسير ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام 1/674، وجامع البيان 14/40، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1724، بلفظ: "...وعاجل خلفه في الدنيا".
[27739]:في الأصل: وتوقرا، وهو تحريف.
[27740]:القطع والإئتناف 355.
[27741]:القطع والإئتناف 354، بتصرف.
[27742]:في الأصل: معطوف، وهو خطأ ناسخ، وقد أورد هذا الوجه في مشكل إعراب القرآن 1/319.
[27743]:القطع والإئتناف 355.
[27744]:تام، كما في القطع والإئتناف 355، وعزاه إلى محمد بن عيسى، أبو عبد الله الأصبهاني، والمكتفى 288، والمقصد 160، ومنار الهدى 160.