ثم قال تعالى : { وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا }[ 102 ] .
والمعنى : ومنهم آخرون ، أي : من أهل المدينة منافقون آخرون ، { اعترفوا بذنوبهم } ، أي : أقروا بها : { خلطوا عملا صالحا } ، وهو إقرارهم وتوبتهم ، { وآخر سيئا }[ 102 ] ، وهو تخلفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك{[29840]} .
والواو [ في ]{[29841]} قوله : { وآخر }{[29842]} ، بمعنى : " مع " عند البصريين ، كما تقول :
" استوى الماء والخشبة " {[29843]} .
وأنكر الكوفيون أن يكون هذا بمنزلة " استوى الماء والخشبة " ؛ لأن هذا لا يجوز فيه تقديم الخشبة على الماء ، وإنما هو عندهم بمنزلة " خلطت الماء واللبن " ، أي : باللبن{[29844]} ، فكل واحد منهما يجوز أن يتقدم ، مثل الآية .
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في عشرة أنفس تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في عزوة تبوك ، فلما رجع النبي عليه السلام ، أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد ، وكان ممر النبي عليه السلام إذا رجع في المسجد عليهم . فلما رآهم قال : من هؤلاء ؟
قالوا : أبو{[29845]} لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك ، يا رسول الله ، حتى تطلقهم وتعذرهم{[29846]} . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم ، حتى يكون الله هو الذي يطلقهم ، رغبوا عني ، وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين " . فلما بلغهم ذلك قالوا : /ونحن والله لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله الذي يطلقنا . فأنزل الله عز وجل : { وآخرون اعترفوا بذنوبهم } الآية .
فأطلقهم النبي عليه السلام ، و{ عسى }{[29847]} من الله واجبة{[29848]} .
وقيل : كانوا ستة ، والذين أوثقوا أنفسهم ثلاثة : أبو لبابة ورجلان معه{[29849]} .
وقال زيد بن أسلم : الذين ربطوا أنفسهم ثمانية{[29850]} .
وقال قتادة : كانوا سبعة ، وفيهم نزل : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها }{[29851]} .
وقال مجاهد : هو أبو لبابة وحده ، اعترف بذنبه الذي كان في بني قريظة ، إذ أشار لهم إلى حلقه ، يريد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذابحكم{[29852]} إن نزلتم على حكم الله سبحانه{[29853]} .
وقال الزهري : نزلت في أبي لبابة إذ{[29854]} تخلف عن غزوة تبوك ، يربط نفسه ، حتى أنزل الله عز وجل توبته ، ومكث سبعة أيام لا يذوق{[29855]} طعاما ولا شرابا حتى خرّ مغشيا عليه ، فقيل له : قد تيب عليك يا أبا لبابة ، فقال : والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو الذي يحلني ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحله بيده ، ثم قال أبو لبابة : يا رسول الله ، إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب ، وأن أنخل من مالي كله صدقة إلى الله ورسوله ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يجزيك يا أبا لبابة الثلث{[29856]} " .
والعمل الصالح الذي عملوه ، قيل : هو توبتهم{[29857]} .
وقيل : حضورهم بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم{[29858]} .
{ منافقون } ، وقف{[29859]} ، إن جعلت { مردوا } ، نعتا لأهل المدينة{[29860]} ، فإن جعلته نعتا للمنافقين لم تقف دونه ؛ لأنه ينوي به التقديم{[29861]} .
وقيل : كانوا ثلاثة ، أبو لبابة ، ووداعة{[29862]} بن ثعلبة ، وأوس بن خدام{[29863]} من الأنصار . لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أوثقوا أنفسهم في سواري المسجد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا ابتدأ سفرا أو رجع منه ابتدأ بالمسجد{[29864]} ، فصلى في ركعتين ، فدخل فرأى فيه قوما موثقين ، فسأل عنهم ، فأُخبر بخبرهم ، وأنهم أقسموا ألا{[29865]} يحلوا أنفسهم حتى يحلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم{[29866]} : " وأنا أقسم لا أطلق عنهم حتى أُومر ، ولا أعذرهم حتى يعذرهم الله ، فلما نزل فيهم القرآن حلهم النبي صلى الله عليه وسلم{[29867]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.