تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَٰنَهُم مِّنَ ٱلۡقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّقۡفُ مِن فَوۡقِهِمۡ وَأَتَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ} (26)

الآية 26 : وقوله تعالى : { قد مكر الذين من قبلهم } ( كانت ولم تزل ){[10135]} عادة الكفر بالمكر برسل الله والكيد لهم ، وكذلك مكر كفار مكة برسول الله . يذكر هذا ، والله أعلم لرسوله ليصبر على أذاهم كما صبر أولئك على مكر قومهم وترك مكافأتهم إياهم كقوله : { فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل } ( الأحقاف : 35 ) ثم مكرهم الذي كان يخرج على وجهين :

أحدهما : في ما جاءت به الرسل كانوا يتكلفون تلبيس ما جاءت به الرسل على قومهم .

والثاني : يرجع مكرهم إلى أنفس الرسل من الهم بقتلهم وإخراجهم من بين أظهرهم ونحوه .

فخوف بذلك أهل مكة بصنيعهم لرسول الله أن ينزل بهم كما نزل بأولئك الذين مكروا برسلهم لئلا يعاملوه بمثل معاملة أولئك رسلهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فأتى الله بنيانهم من القواعد } قال الحسن : هذا على التمثيل بالبناء الذي بني على غير أساس ؛ ينهدم ، ولا يعلم من أي سبب انهدم . فعلى ذلك مكرهم يبطل ، ويتلاشى كالبناء الذي بني على غير أساس ؛ ويشبه أن يكون على التمثيل من غير هذا الوجه ؛ هو أنهم قد مكروا ، وأحكموا مكرهم بهم ، فيتحصنون بذلك البناء الذي يتحصن به ، فأبطل الله مكرهم ، كقوله : { ومكروا مكرا ومكرنا مكر }الآية ( النمل : 50 ) وقوله : { ومكروا ومكر الله } الآية .

وقوله تعالى : { فخر عليهم السقف من فوقهم } هو ما ذكرنا من إبطال مكرهم الذي به كانوا يتحصنون كوقوع السقف الذي به يتحصن من أنواع الأذى والشرور .

ويحتمل على التحقيق ، وهو ما نزل بقوم لوط من الخسف وتقليب البنيان وإمطار [ الحجر عليهم ]{[10136]} . وأما ما ذكر بعض أهل التأويل من الصرح الذي بنى نمرود وبنيانه ووقوعه عليهم فإنا لا نعلم ذلك .

وقوله تعالى : { وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون } كذلك يأتي العذاب الظلمة الكَذبة من حيث لا علم لهم بذلك كقوله : { فأخذتهم بغتة } الآية ( الأعراف : 95 ) .

وقوله تعالى : { فأتى الله بنيانهم من القواعد } هو من الإتيان . ومعلوم أنه لا يفهم من إتيانه الانتقال من مكان إلى مكان ، ولكن إتيان عذابه ؛ أضيف إليه الإتيان لما بأمره يأتيهم ومنه . فعلى ذلك لا يفهم من قوله : { وجاء ربك } ( الفجر : 22 ) وقوله : { إلا أن يأتيهم الله في ظلل } الآية ( البقرة : 210 ) الإتيان والانتقال ومجيئه من مكان إلى مكان . وقد ذكرنا هذا وأمثاله في غير موضع .


[10135]:في الأصل و م : لم تزل كانت.
[10136]:4 في الأصل: البحر عليها، في م: الحجر عليها.