تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكۡرَهُونَۚ وَتَصِفُ أَلۡسِنَتُهُمُ ٱلۡكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفۡرَطُونَ} (62)

الآية : 62 وقوله تعالى : { يجعلون لله البنات } ، كانوا يجعلون لله أشياء ، يكرهونها {[10235]} لأنفسهم من نحو البنات { ويجعلون لله البنات } ( النحل : 57 ) ويكرهون لأنفسهم البنات ، { ويجعلون لله شركاء } ( الأنعام : 100والرعد : 33 ) من عبيده ، وهم كانوا يكرهون لأنفسهم الشركاء من عبيدهم .

وأمثاله / 287 – أ / كقوله : { ضرب لكم مثلا من أنفسكم } الآية ( الروم : 28 ) ، يخبر عز وجل عن سفههم وسرفهم ، في ( ما ){[10236]} يخبر عن حلمه حين{[10237]} لم يستأصلهم ، ولم يهلكهم ، بما قالوا في الله من عظيم القول ، من الولد والشريك ، ليعلم أنه يمهلهم ، ( لا ){[10238]} لغفلة ولا سهو ، ولكن بحلم ؛ لأن حلم{[10239]} الخلق في ذات الله ، ولا يجعل بالعقوبة ؛ إذ لو أراد إهلاكهم لأهلكهم ساعة قالوا ذلك ، ولا يمهلهم يعيشون ، لكن أخر لذلك اليوم ، وهو ما قال : { ولا تحسبن الله غافلا } الآية ( إبراهيم : 42 ) .

وجائز أن يكون قوله : { ويجعلون لله } ، أي : يجعلون لأولياء الله ، { ما يكرهون } ، لأنفسهم ؛ لأنهم يقولون : إن لهم الحسنى في الآخرة ، وهي الجنة ، وإن للمؤمنين النار بقوله : { ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى } ( فصلت : 50 ) .

وقوله تعالى : { وتصف ألسنتهم الكذب } ، قال أبو بكر الأصم : يقولون : إنا ( على ){[10240]} دين الله ، وعلى الحق بعبادتنا ، ويقولون : { أن لهم الحسنى } ، يعنون البنين ؛ لأنهم كانوا يضيفون البنات إلى الله ، وينسبون البنين إلى أنفسهم ، فذلك الحسنى الذي ذكروا .

وقال بعضهم : { أن لهم الحسنى } ، أي : الجنة كقوله : { ولئن رجعت إلى ربي } الآية ( فصلت : 50 ) .

ثم كذبهم في قولهم ، فقال : { لا جرم أن لهم النار } ، ليس لهم الحسنى على ما زعموا ، ولكن النار . وقد ذكرنا قوله : { لا جرم } في ما تقدم{[10241]} .

كان أهل الكفر فرقا : منهم من ادعى الاشتراك في نعم الآخرة ، كما كان ( لهم ){[10242]} اشتراك في نعم الدنيا ، كقوله : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات } ( الجاثية : 21 ) .

ومنهم من ادعى الآخرة لأنفسهم كما كانت لهم الدنيا . فجائز أن يكون قوله : { ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى } ، هم الذين ادعوا الحسنى ، وهي الجنة ، لأنفسهم .

وقوله تعالى : { وأنهم مفرطون } ، هو من الفَرْط ، وهو : السبق والتقدم ، كأن الآية في الرؤساء ؛ أخبر أنهم سابقوا أتباعهم إلى النار . وهو كقوله : { وقالت أولاهم لأخراهم } ( الأعراف : 39 ) ، الأولى ، هم : المتبوعون ، وأخراهم : الأتباع .

وقال بعضهم : معجلون إليها بين يدي أتباعهم . وقال بعضهم : { مفرطون } ، أي : متركون منسيون في النار . وقال بعضهم : { مفرطون } ، مبعدون عن رحمة الله .

لكن هذين ليس بتأويل الآية ، إذ كل من في النار ، فهو منسي ، متروك فيها ، مبعد عن رحمة الله .

وقال بعضهم : { وأنهم مفرطون } ، مدخلون فيها ، والوجه في ما ذكرنا .


[10235]:في الأصل وم: يكرهوزن ذلك.
[10236]:ساقطة من الأصل وم.
[10237]:في الأصل وم: حيث.
[10238]:ساقطة من الأصل وم.
[10239]:في الأصل وم: يحلم.
[10240]:ساقطة من الأصل وم.
[10241]:كان ذلك في تأويل قوله تعالى: {لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون} (هود: 22).
[10242]:من م، ساقطة من الأصل.