تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَمَّا ٱلۡغُلَٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤۡمِنَيۡنِ فَخَشِينَآ أَن يُرۡهِقَهُمَا طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗا} (80)

الآية80 : وقوله تعالى : { وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين } اختلف في سن ذلك الغلام . ( قال بعضهم : كان ذلك الغلام ){[11776]} كبيرا بالغا . والعرب قد تسمي الرجل البالغ الذي لم يَلْتَحِ بعد ، أو لم تستو لحيته غلاما لقربه لوقت البلوغ . ولذلك{[11777]} قال موسى : { أقتلت نفسا زكية بغير نفس }( الكهف : 74 ) والصغير مما لا يُقتل إذا قَتَل نفسا بغير حق . فلو كان صغيرا لم يكن لقول موسى { أقتلت نفسا زكية بغير نفس } ( معنى ){[11778]} .

وهو كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه قال : ){[11779]} ( إن إيمانكم يحقن دماءكم ) ( أي إيمانكم يحقن دماءكم ){[11780]} إذ ظهر منهم الدم . وكقوله : ( لولا الإيمان لكان لي ولها شأن )( البخاري : 4747 ) إذا ظهر منها الزنا . فعلى ذلك قوله : { أقتلت نفسا زكية بغير نفس } لو كانت محتملة القتل بالنفس ، والله أعلم .

ثم اختلف في سبب قتل الغلام . قال بعضهم : قتله لكفره ؛ كان كافرا ، وكذلك ذُكر في حرف أُبَيٍّ بْنِ كَعْبِ : وأما الغلام فكان كافرا . ألا ترى أنه قال : { فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا } دل هذا أنه بالغا كافرا ، إذ لو لم يكن كافرا لم يلحق والديه منه الطغيان والكفر .

وقال بعضهم : إنما قتله لأنه كان لِصًّا قاطع الطريق ( يقطع الطريق ){[11781]}

وعلى قول من يقول : إنه كان صغيرا قتله لأنه علم أنه لو بلغ ( بلغ ){[11782]} كافرا ، والله أعلم بذلك . وليس لنا إلى معرفة ذلك السبب الذي قتله حاجة ، ولا أنه كان صغيرا أو كبيرا لأنه أخبر أنه إنما قتله بأمر الله لا من تلقاء نفسه حين قال : { وما فعلته عن أمري } ( الكهف : 82 ) ولكن إنما فعلته بأمر الله ، لله أن يأمر عبدا من عباده بقتل الصغير على ما له أن يميته وعلى ما يأمر ملك الموت بقبض أرواح الخلق . فعلى ذلك له أن يميته على يدي آخر ، وأن يقبض روحه ؛ إذ له الخلق والأمر .

وقوله تعالى : { فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ) ؛ ليس ، هو الخوف ، ولكن : العلم ؛ أي علمنا أن يرهقهما طغيانا وكفرا . وكذلك ذكر في حرف أُبَيٍّ .

فإن قيل : كيف احتج على قتله وإهلاكه بما علم أنه يلحق أبويه منه الطغيان والكفر ، وقد ترك إبليس وجنوده يعيشون إلى آخر الدهر على علم منه أنهم يحملون الناس على الطغيان والكفر ، ويرهقونهم بأنواع المعاصي والفواحش ، وكذلك هؤلاء الظلمة الذين لا يكون منهم إلا كل شر وجور على الناس من تركهم على علم منه بما يكون منهم . فما معنى الاحتجاج في قتله وإهلاكه بما ذكر من إرهاق ( الوالدين بالطغيان والكفر ){[11783]} ؟ .

قيل : لهذا جوابان :

أحدهما{[11784]} : أن الله عز وجل قد يمتحن البشر بمعان وعلل وأشياء ، تحملهم تلك المعاني والأشياء على الرغبة والحنث في ما امتحنهم ، وإن كان له الامتحان لا على تلك المعاني والعلل نحو ما امتحنهم بأنواع العبادات والطاعات بثواب وجزاء ذكر لهم فيها لو فعلوا ، وإن كان الامتحان بذلك على غير ثواب ولا جزاء . وكذلك العقوبات وغير ذلك من المحن . فعلى ذلك الأولى .

والثاني : ذكر هذا ليُطَيِّبَ به أنفسهم إحسانا منه إليهم وإنعاما عليهم ؛ إذ له أن يميتهم صغارا وكبارا . وعلى ذلك يُخَرَّجُ قوله : { ولو بسط الله الرزق لعباده } ( الشورى : 27 ) وقد وسع على كثير من الخلق . وكذلك قوله : { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة } الآية ( الزخرف : 33 ) وقد جعل للكثير من الخلق ذلك هذا لما له أن يفعل ذلك للكل . فمن يفعل ذلك يفعل إحسانا منه وإفضالا ، والله أعلم .


[11776]:من م، ساقطة من الأصل.
[11777]:في الأصل و.م: كذلك.
[11778]:ساقطة من الأصل و.م.
[11779]:في الأصل: حيث قال.
[11780]:من م، ساقطة من الأصل. إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا:لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني أنفسهم وأموالهم إلا بحقها). (البخاري 25)
[11781]:من م، ساقطة من الأصل.
[11782]:في م: كان، ساقطة من الأصل.
[11783]:في الأصل و.م: الطغيان والكفر بالوالدين.
[11784]:من م، ساقطة من الأصل.